أو أموت فتتعير بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمه، ثم إنها مكثت يومًا وليلةً، لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت وقد جهدت، ثم مكثت يومًا آخر وليلةً، لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني، فكلي إن شئت، وإن شئت فلا تأكلي، فلما أيست منه أكلت وشربت، فأنزل الله هذه الآية آمرًا بالبر بالوالدين والإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في الشرك به، وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم وأبو داوود والنسائي أيضًا.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ...﴾ الآية، روي أن هذه الآية نزلت في عياش ابن أبي ربيعة أسلم وهاجر، ثم أوذي وضُرب فارتد، وقد كان عذبه أبو جهل والحارث، وكانا أخويه لأمه، ثم عاش بحد ذلك دهرًا وحسن إسلامه.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿الم (١)﴾ تقدم أن (١) قلنا أنه يُنطق بالحروف المقطعة في أوائل السور باسمائها ساكنةً، فيقال: ألف، لام، ميم، والحكمة في البداءة بها التنبيه، وطلب إصغاء السامعين إلى ما يُلقى بعدها، فإن الحكيم إذا خاطب من يكون مشغول البال، قدم على المقصود شيئًا غيره، ليلتفت المخاطب بسببه إليه، فحينًا يكون كلامًا مفهومًا كقول القائل: اسمع، أو ألق بالك إلي، وحينًا يكون في معنى الكلام المفهوم، كقولك يا علي، وحينًا يكون صوتًا غير مفهوم المعنى، كمن يُصفّر خلف إنسان ليلتفت إليه.
فالنبي - ﷺ -، وإن كان يقظ الجنان، فهو إنسان يشغله شأن عن شأن، فحسن عن الحكيم الخبير أن يقدم على المقصود حروفًا، هي كالمنبهات، لا يُفهم منها معنى، لتكون أتم في إفادة التنبيه؛ لأنه إذا كان المقدم قولًا مفهومًا، فربما ظن السامع أنه هو المقصود، ولا كلام للمتكلم بعد ذلك، ليصغي إليه، أما إذا سمع صوتًا لا معنى له، جزم بأن هناك كلامًا آخر سيرد بعد، فيُقبل إليه تمام الإقبال،