فانتقل منه إلى توبيخ أشد، وهو حسبانهم أن يفوتوا عذاب الله ويفروا منه (١)، وهم وإن لم يحسبوا أنهم يفوتونه تعالى، ولم يحدثوا نفوسهم بذلك، لكنهم حيث أصروا على المعاصي، ولم يتفكروا في العاقبة، نُزِّلوا منزلة من يحسب ذلك، كما في قوله تعالى: ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾.
أي: بل أظن الذين ﴿يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾؛ أي: الشرك والمعاصي ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾؛ أي: أن يفوتونا ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يعملون، وهو ساد مسد مفعولي حسب، لاشتماله على مسند ومسند إليه؛ أي: بل أحسب المشركون أنهم يفرون منا، ويفوتون عذابنا فلا نقدر على مجازاتهم بعصيانهم ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾؛ أي: بئس وقبح الحكم الذي يحكمونه، حكمهم ذلك، وهو سبقهم إيانا وهربهم منا، فحُذف المخصوص بالذم.
قال ابن عباس: يريد الوليد بن المغيرة وأبا جهل والأسود والعاص بن هشام وعتبة والوليد بن عتبة وعقبة ابن أبي معيط وحنظلة ابن أبي سفيان والعاص بن وائل.
وحاصل معنى الآية (٢): أي بل أيظن هؤلاء الذين يجترحون الإثم والفواحش أن يفوتونا فلا نقدر على مجازاتهم، ولا نستطيع أن نُجري العدل فيهم، وما قضت به سنتنا في الظالمين باخذهم أخذ عزيز مقتدر، بئس حكمًا يحكمونه هذا الحكم، وكيف يدور ذلك بخلدهم وإنا لم نخلق الخلق سدى، بل ربيناهم وهذبناهم بضروب من التهذيب والعلم، لعلهم يلمحون في هذا العالم نور جمالي وجلالي.
٥ - ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو﴾ ويتوقع ويخاف ﴿لِقَاءَ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: ملاقاة جزائه ثوابًا أو عقابًا، فليستعد لأجل الله، باختياره من الأعمال ما يؤدي إلى حسن الثواب، واجتنابه عما يسوقه إلى سوء العذاب، والفاء في قوله: ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ تعليل للجواب المحذوف، والأجل عبارة عن غاية زمان ممتد عُيِّنت لأمر من
(٢) المراغي.