الأمور؛ أي: فإن الوقت الذي عينه تعالى لذلك ﴿لَآتٍ﴾ لا محالة، وكائن ألبتة، لأن (١) أجزاء الزمان على الانقضاء والانصرام دائمًا، فلا بد من إتيان الوقت المعيَّن، وإتيانه موجب لإتيان اللقاء والجزاء ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿السَّمِيعُ﴾ لأقوال العباد ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والباطنة، فلا يفوته شيء ما، فبادروا العمل قبل الفوت، وفي الآية من الوعد والوعيد، والترغيب والترهيب ما لا يخفى.
ومعنى الآية (٢): أي من كان يطمع في ثواب الله يوم لقائه فليبادر إلى فعل ما ينفعه، وعمل ما يوصله إلى مرضاته، ويُبعده من سخطه، فإن أجل الله الذي أجَّله لبعث خلقه للجزاء لآت لا محالة، والله هو السميع لأقوال عباده، العلم بعقائدهم وأعمالهم، ويجازي كلًّا بما هو أهل له، وفي هذا تنبيه إلى تحقق حصول المرجو والمخوف وعدًا ووعيدًا.
٦ - ثم بيَّن سبحانه أن التكليف بجهاد النفس وجهاد الحرب ليس بنفع يعود إليه، بل لفائدة المكلف، فقال: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ﴾ نفسه بالصبر على طاعة الله تعالى، وجاهد الكفار بالسيف، وجاهد الشيطان بدفع وساوسه، والمجاهدة استفراغ الجهد - (بالضم)؛ أي: الطاقة - في مدافعة العدو، كما سيأتي.
﴿فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ لا لله سبحانه؛ لأن منفعة مجاهدته عائدة إليها أي: ثواب ذلك له لا لغيره، ولا يرجع إلى الله من نفع ذلك شيء. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: فلا حاجة به إلى طاعتهم ومجاهدتهم، وإنما أمرهم بها رحمة عليهم، لينالوا الثواب الجزيل، كما قال: خلقت الخلق ليربحوا عليَّ لا لأربح عليهم فالعالمون هم الفقراء إلى الله تعالى، والمحتاجون إليه في الدارين، وهو مستغن عنهم.
وحاصل معنى الآية: أي ومن بذل جهده في جهاد عدو، أو حرب نفس، فإنما يجاهد لنفع نفسه؛ لأنه إنما يفعل ذلك ابتغاء الثواب من الله على جهاده،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon