العالية والضحاك وابن مسعود: ﴿حسنا﴾ بفتحهما، وقرأ أبي بن كعب وأبو مجلز وعاصم الجحدري: ﴿إحسانا﴾ قال الزجاج (١): من قرأ حسنا بضم الحاء وإسكان السين فمعناه: ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن، ومن قرأ إحسانًا، فمعناه: ووصينا الإنسان أن يحسن إلى والديه. وكان (حسنا) أعم في البر.
فإن قلت: ذكر هنا (٢) ﴿حُسْنًا﴾ وفي الأحقاف ﴿إِحْسَانًا﴾ حيث قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا﴾ الآية، وحذفه في لقمان، حيث قال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ مع أن الثلاثة نزلت في سعد بن مالك، وهو سعد ابن أبي وقاص على خلاف فيه، فما الفرق بينه وبينهما؟
قلت: ذكر هنا وفي الأحقاف؛ لأن الوصية فيهما جاءت في سياق الإجمال فحسن ذكره، وفي لقمان جاءت مفصلة لما تقدمهما من تفصيل كلام لقمان لابنه، ولأن قوله بعدها: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ قائم مقامه، فحسن حذفه.
فائدة: ويجب على الأبوين أن لا يحملا الولد على العقوق بسبب الجفاء وسوء المعاملة، ويعيناه على البر، فمن البر وهما حيان أن ينفق عليهما، ويمتثل أمرهما في الأمور المشروعة، ويجامل في معاملتهما، ومن البر بعد موتهما التصدق لهما، وزيارة قبرهما في كل جمعة، والدعاء لهما في أدبار الصلاة، وتنفيذ عهودهما ووصاياهما.
وقوله: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ﴾ مقول لقول محذوف، تقديره؛ أي (٣): وقلنا له: وإن جاهداك وكلفاك أيها الإنسان ﴿لِتُشْرِكَ بِي﴾ أي: على أن تشرك بي ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾؛ أي: بآلهيته، وهذا القيد (٤) لموافقة الواقع فلا مفهوم له؛ لأنه ليس ثم إله لك به علم وإله لا علم لك به، بل الإله واحد، وقيل: عبَّر بنفي العلم عن
(٢) فتح الرحمن.
(٣) روح البيان.
(٤) الفتوحات.