الدين، ولو علم شدة عذاب الله، وأن لا قدر لعذاب الناس عند عذابه تعالى لما ارتد، ولو قطع إربًا إربًا، ولما خاف من الناس وعذابهم، وفي الحديث "من خاف الله خوف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله يخوِّفه الله من كل شيء".
وقال بعضهم: جعل فتنة الناس في الصرف عن الإيمان كعذاب الله في الصرف عن الكفر.
وحاصل المعنى (١): أي ومن الناس فريق يقول: آمنا بالله وأقررنا بوحدانيته، فإذا آذاه المشركون لأجل إيمانه جعل فتنة الناس في الدنيا كعذاب الله في الآخرة، فارتد عن إيمانه ورجع إلى كفره، وكان يمكنه أن يصبر على الأذى، ويجعل قلبه مطمئنًا بالإيمان، ولكنه جعل فتنة الناس صارفةً له عن الإيمان، كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر، وعذاب الناس له دافع، وعذاب الله ليس له دافع، وعذاب الناس يترتب عليه ثواب عظيم، وعذاب الله بعده العقاب الأليم.
والمشقة إذا كانت مستتبعة للراحة العظيمة تطيب النفس لها ولا تعدها عذابًا، كما تُقطع السلعة المؤذية ولا تُعدُّ عذابًا، واعلم أن الأقسام ثلاثة: مؤمن ظاهرًا وباطنًا، ومؤمن ظاهرًا لا باطنًا، وكافر ظاهرًا وباطنًا. اهـ "رازي" كما مر.
قال الزجاج: ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله، أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وأبو يعلي وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم، عن أن - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، ولقد أُخفتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت عليَّ ثالثة، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال".
وخلاصة ذلك: أن من الناس من يدَّعون الإيمان بألسنتهم، فإذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا، اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى منهم، فارتدوا عن الإِسلام، ورجعوا إلى الكفر الذي كان متغلغلًا في حنايا ضلوعهم، وشغاف