والظاهر (١): أن هذا النظم من قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ﴾ إلى قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ نازل في المنافقين، لما يظهر من السياق،
١١ - ولقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالإخلاص ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ سواء كان نفاقهم بأذية الكفرة أو لا، فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده؛ أي: ليميزن الله بين الطائفتين، ويُظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين، فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى. ويصبر في حق الله الصبر، ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله، والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا، فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم، وكفر بالله عز وجل، وإن خفقت ريح الإِسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإِسلام، وزعم أنه من المسلمين.
والمعنى: أي وعزتي وجلالي، ليختبرن الله (٢) عباده بالسراء والضراء، ليميز صادق الإيمان من المنافق، من يطيع الله في كل حال يصبر على اللاواء إذا مسته، ويعدها اختبارًا له، وأنه سيثاب عليها إذا هو فوَّض فيها إليه. ومن يعصيه إذا حزبه الأمر، واشتد به الخطب لا يجد الصبر إلى قلبه سبيلًا، ونحو الآية قوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ وقوله: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾.
فإن قلت (٣): لِمَ غاير بين أسلوب الجملتين، حيث عبر في الأولى بالفعل حيث قال: ﴿اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وفي الثانية باسم الفاعل، حيث قال: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾؟
قلت: للتفنن أو لرعاية الفاصلة، كما في "البيضاوي".
واعلم (٤): أن حقيقة الإيمان نور، إذا دخل قلب المؤمن لا تخرجه أذية الخلق، بل يزيد بالصبر على أذاهم، والتوكل على الله، فإنه نور حقيقي، أصلي ذاته، لا يتكدر بالعوارض، كنور الشمس والقمر فإنهما إذا طلعا يزداد نورهما

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات بتصرف.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon