يستدلون بها على قدرة الله سبحانه، وقيل: إن الضمير في جعلناها عائد إلى الواقعة، أو إلى النجاة، أو إلى العقوبة بالغرق، قال أبو الليث في "تفسيره": وقد بقيت السفينة على الجودي إلى قريب من وقت خروج النبي - ﷺ -، وبين الطوفان والهجرة الشريفة ثلاثة آلاف وتسع مئة وأربع وسبعون سنة، على ما في "فتح الرحمن"، وكان ذلك علامة وعبرة لمن رآها ولمن لم يرها؛ لأن الخبر قد بلغه، وقال بعضهم: سفينة نوح أول سفينة في الدنيا، فأبقيت السفن آيةً وعبرةً للخلائق وعلامةً من سفينة نوح، وهو قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً﴾.
روي (١): أن نوحًا بُعث على رأس الأربعين، ودعا قومه تسع مئة وخمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين عامًا حتى كثر الناس وفشوا، وذلك من أولاد حام وسام ويافث؛ لأنهم لما خرجوا من السفينة ماتوا كلهم إلا أولاد نوح، كما في "البستان"، فيكون عمره ألفًا وخمسين عامًا، وهو أطول الأنبياء عمرًا، فلما حضره الموت قال له ملك الموت: يا أطول الأنبياء عمرًا، كيف وجدت الدنيا؟ قال: وجدتها كدار لها بابان دخلت وخرجت، ، وما أحسن ما قيل فيها:

أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلِّ سَحَابَةٍ أَظَلَّتْكَ يَوْمًا ثُمَّ عَنْكَ اضْمَحَلَّتِ
فَلاَ تَكُ فَرْحَانًا بِهَا حِيْنَ أَقْبَلَتْ وَلا تَكُ جَزْعَانًا بِهَا حِيْنَ وَلَّتِ
قال الحسن: أفضل الناس يوم القيامة المؤمن المعمر، انتهى. اللهم أركبنا جواري الشريعة، وأوصلنا بها إلى صحارى الجنة، فليجِدَّ مَنْ وقع في طوفان نفسه حتى يجد الخلاص، وإليه الملجأ والمناص.
وحاصل معنى الآيتين: أن الله سبحانه وتعالى أرسل (٢) نوحًا إلى قومه فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم إلى الله ليلًا ونهارًا سرًا وجهرًا، وما زادهم ذلك إلا فرارًا من الحق، وإعراضًا عنه، وتكذيبًا له، وما آمن معه إلا قليل منهم، فأنزل الله عليهم الطوفان، فأهلكهم وهم مستمرون في الظلم، لم
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon