وهذه القصة تمثيل لقريش، وتذكير لحال أبيهم إبراهيم، من رفض الأصنام، والدعوى إلى عبادة الله سبحانه؛ أي: واذكر يا محمد لقومك قصة إبراهيم إذ قال: ﴿لِقَوْمِهِ﴾ أهل بابل، ومنهم نمرود، وكان نمرود وأهل مدينته عباد أصنام، ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده ولا تشركوا به شيئًا ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ أي: خافوا عقابه بامتثال أوامره وأجتناب نواهيه، فقوله (١): ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إشارة إلى إثبات الإله الواحد، وقوله: ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ إشارة إلى نفي غيره. وقيل: فاعبدوا الله، إشارة إلى الإتيان بالواجبات، فيدخل فيه الاعتراف بالله، واتقوه: إشارة إلى الامتناع من المحرمات، فيدخل فيه الامتناع من الشرك.
﴿ذَلِكُمْ﴾ المذكور من عبادة الله وتقواه ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾؛ أي: أفضل لكم مما أنتم عليه من الشرك والمعاصي، ومعنى التفضيل مع أنه لا خير قطعًا باعتبار زعمهم الباطل ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الخير والشر، وتميزون أحدهما عن الآخر، أو كنتم تنظرون في الأمور بنظر الحلم دون نظر الجهل، أو إن كان لكم علم بما هو خير لكم، مما هو شر لكم فاعبدوه واتقوه.
ومعنى الآية (٢): أي واذكر يا محمد لقومك قصص إبراهيم حين كمل عقله، وقدر على النظر والاستدلال، وترقى من مرتبة الكمال إلى مرتبة إرشاد الخلق، وتصدى للدعوة إلى طريق الحق، فدعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والإخلاص له في السر والعلن، واتقاء لسخطه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه.
ثم بين لهم فائدة ذلك، فقال: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: فذلك الذي آمركم به خير لكم مما أنتم عليه، إن كان لديكم ذرة من الإدراك والعلم، تميزون بها الخير من الشر، وتعلمون ما ينفعكم في مستأنف حياتكم الدنيوية والأخروية.
١٧ - ثم أرشدهم إلى فضل ما يدعوهم إليه، وفساد ما هم عليه بقوله: {إِنَّمَا
(٢) المراغي.