يكونوا شيئًا مذكورًا، ثم إعطائهم السمع والبصر والأفئدة وتصرفهم في الحياة إلى حين، ثم موتهم بعد ذلك، والذي بدأ هذا قادر على أن يعيده بل هو أهون عليه، كما قال في آية أخرى ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾.
وخلاصة هذا: أنتم قد علمتم ذلك، فكيف تنكرون الإعادة، وهي أهون عليه.
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بخلاف عنه (١): ﴿تروا﴾ بتاء الخطاب، وباقي السبعة بالياء، والجمهور ﴿يُبْدِئُ﴾ مضارع أبدأ الرباعي، وقرأ الزبير وعيسى وأبو عمرو بخلاف عنه ﴿يبدأ﴾ مضارع بدأ الثلاثي، وقرأ الزهري ﴿كيف بدا الخلق﴾ بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفًا، فذهبت في الوصل، وهو تخفيف غير قياسي وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين.
والمعنى: ألم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، ثم يخرجه إلى الدنيا، ثم يتوفاه بعد ذلك، وكذلك سائر الحيوانات، وسائر النباتات، فإذا رأيتم قدرة الله سبحانه على الابتداء والإيجاد أولًا، فهو القادر على الإعادة.
٢٠ - ثم أمر الله سبحانه إبراهيم (٢) أن يأمر قومه بالمسير في الأرض، ليتفكروا ويعتبروا، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا إبراهيم، لقومك المنكرين للبعث ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: سافروا في أقطار الأرض ونواحيها ﴿فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾؛ أي: فانظروا إلى الأشياء المخلوقة، كيف خلقها ابتداء على كثرتها، واختلاف ألوانها وطبائعها، وألسنتها وأفعالها ومعيشتها، وانظروا إلى مساكن القرون الماضية، والأمم الخالية وآثارهم، لتعلموا بذلك كمال قدرة الله سبحانه وتعالى، وقيل: إن المعنى: قل يا محمد لمشركي العرب، ومنكري البعث: سيروا في نواحي الأرض فانظروا بأعينكم كيف خلق الله الخلق ابتداء على تلك الأشكال العجيبة، والأحوال الغريبة، لتعلموا قدرة الصانع الحكيم والمدبر العلم.
(٢) الشوكاني.