﴿ثُمَّ اللَّهُ﴾ الذي بدأ النشاة الأولى وخلقها على تلك الكيفية العجيبة والأشكال الغريبة ﴿ينشئـ﴾ ـها ﴿النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾؛ أي: نشأة ثانية عند البعث.
والنشأة (١) مصدر مؤكد لينشىء بحذف الزوائد، والأصل الإنشاءة، قال الراغب: الإنشاء إيجاد الشيء وتربيته، وأكثر ما يقال ذلك في الحيوان، اهـ. أو على حذف العامل؛ أي: ينشىء فينشؤون النشأة الآخرة، كقوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾؛ أي: فنبتت نباتًا حسنًا، والنشاة الآخرة هي النشأة الثانية، وهي نشأة القيام من القبور، والجملة معطوفة على جملة سيروا في الأرض، داخلة معها في حيز القول، وعطف الإخبار على الإنشاء جائز فيما له محل من الإعراب، وإنما لم تُعطف على قوله: ﴿بَدَأَ الْخَلْقَ﴾؛ لأن النظر غير واقع على إنشاء النشأة الآخرة، فإن الفكر يكون في الدليل، لا في النتيجة.
والمعنى: ثم الله يوجد الإيجاد الآخر، ويحيي الحياة الثانية؛ أي: بعد النشاة الأولى التي شاهدتموها، وهي الإبداء، فإنه والإعادة نشأتان من حيث إن كلًّا إبداع وإخراج من العدم إلى الوجود.
وجملة قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ تعليل لما قبلها؛ لأن قدرته لذاته، ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على حد سواء، فيقدر على النشاة الأخرى، كما قدر على النشأة الأولى، فمن علم قدرته تعالى على جميع الأشياء التي منها النشاة الآخرة، لا يتصور أن يتردد في وقوع الإعادة بعدما أخبر الله به.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (٢): ﴿النشآءة﴾ هنا، وفي النجم والواقعة على وزن فعالة، وباقي السبعة النشأة على وزن فعلة، وهما كالرآفة والرأفة وهما لغتان، والقصر أشهر، وفي الآية الأولى صرح سبحانه باسمه في قوله: ﴿كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ﴾ ثم أضمر في قوله: ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ وهنا عكس أضمر في بدأ، ثم أبرزه في قوله: ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ﴾ حتى لا تخلو الجملتان من صريح اسمه، ودل إبرازه هنا على تفخيم النشأة الآخرة وتعظيم أمرها، وتقرير وجودها إذ كان نزاع
(٢) البحر المحيط.