بممتنعين عن إجراء حكمه وقضائه عليكم، وإن هربتم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ الواسعة بالتواري فيها ﴿وَلَا﴾ بالتحصن ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ التي هي أوسع من الأرض، لو استطعتم الترقي فيها، يعني كنتم في الأرض أو في السماء لا تقدرون أن تهربوا منه، فهو يُدرككم لا محالة، ويُجرى عليكم أحكام تقديره، والخطاب فيها لجميع الناس.
والمعنى (١): أنه تعالى لا يعجزه أحد من أهل سمواته ولا أرضه، بل هو القاهر فوق عباده، فكل شيء فقير إليه، فلو صعد إلى السماكين أو هبط إلى موضع السُّمولِ في الماء ما خرج من قبضته، وما استطاع الهرب منه، وقيل (٢): هذا خطاب لقوم فيهم النموود الذي حاول الصعود إلى السماء، وزاد هنا لفظة ﴿ولا في السماء﴾، واقتصر في الشورى على ﴿في الأرض﴾؛ لأن ما هنا خطاب لقوم فيهم النمرود، الذي حاول الصعود إلى السماء فأخبرهم بعجزهم، وأنهم لا يفوتون الله لا في الأرض ولا في السماء، وما في الشورى خطاب للمؤمنين بقرينة قوله: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ وقد حذفا معًا للاختصار في قوله في الزمر ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾. اهـ زكريا.
ولما بيَّن أنهم مقدور عليهم جميعًا، لا يفلتون منه، ذكر إنه لا يستطيع أحد نصرهم، فقال: ﴿وَمَا﴾ كان ﴿لَكُمْ﴾ أيها الناس ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾؛ أي: قريب يلي أموركم ويحرسكم من أن يصيبكم بلاء أرضي أو سماوي ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ يدفع عذاب الله عنكم إن قُدِّر عليكم، يعني ليس غيره تعالى يحرسكم مما يصيبكم من بلاء يظهو من الأرض أو ينزل من السماء، ويدفعه عنكم إن أراد بكم ذلك، قال بعضهم: الولي (٣) الذي يدفع المكروه عن الإنسان والنصير الذي يأمر بدفعه عنه، والولي أخص من النصير، إذ قد ينصر من ليس بولي، انتهى.
٢٣ - ولما قرر التوحيد والبعث، هدد من خالفهما وتوعده فقال: {وَالَّذِينَ
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.