بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٥)}.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن إبراهيم عليه السلام، لما أقام لهم الحجج والبراهين على الوحدانية، وإرسال الرسل، والحشر، والجزاء.. أردف (١) ذلك ببيان أنهم جحدوا وعاندوا، ودفعوا الحق بالباطل، بعد أن ألزمهم الحجة ولم يجدوا للدفاع سبيلًا، وحينئذ عدلوا إلى استعمال القوة كما هو دأب المحجوج المغلوب على أمره، فقالوا لقومهم: ﴿ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ فأنجاه الله من كيدهم، وجعلها عليه بردًا وسلامًا فعاد إلى لومهم بعد أن أُخرج من النار، وقال: إن تَمسُّككم بما أنتم عليه لم يكن عن دليل وبرهان، بل عن تقليد وحفظ للمودة بينكم، فلا يريد أحدكم أن يفارقه صاحبه في السيرة والطريقة، ولكنكم يوم القيامة تتحاجون حين يزول عمى القلوب وتستبين الأمور للَّبيب الأريب، ويكفر بعضكم بعضًا، فيقول العابد: ما هذا معبودي، ويقول المعبود: ما هؤلاء بعبدتي، ويلعن بعضكم بعضًا، فيقول هذا لذاك: أنت الذي أوقعتني في العذاب حيث عبدتني، ويقول ذاك لهذا: أنت الذي أوقعتني فيه حيث أضللتني بعبادته، ويود كل منكم أن يبعد عن صاحبه، وأنى لهما ذلك وهما مجتمعان في النار، وما لهما ناصر يخلِّصهما منها، كما خلَّصني ربي من النار التي ألقيتموني فيها.
وعبارة أبي حيان (٢): لما أمرهم إبراهيم بعبادة الله، وبيَّن سفههم في عبادة الأوثان، وظهرت حجته عليهم.. رجعوا إلى الغلبة، فجعلوا القائم مقام جوابه فيما أمرهم به قولهم: اقتلوه أو حرقوه، والآمرون بذلك إما بعضهم لبعض، أو كبراؤهم، قالوا لأتباعهم اقتلوه فتستريحوا منه عاجلًا، أو حرقوه بالنار، فإما أن

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon