فإن قلت: لِمَ جمع (١) الآيات هنا، حيث قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ وأفردها فيما بعدُ في قوله: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤)﴾؟
قلت: إن ما هنا إشارة إلى إثبات النبوة القائمة بالنبيين، وهم كثيرون فناسبه الجمع، وما بعدُ إشارة إلى التوحيد القائم بواحد، وهو الله لا شريك له فناسبه الإفراد. اهـ. "زكريا".
وعبارة أبي حيان: وجمع هنا (٢) فقال: ﴿لَآيَاتٍ﴾؛ لأن الإنجاء من النار وجعلها بردًا وسلامًا، وأنها أثرت في الحبل الذي كانوا أوثقوه به دون الجسم، وأن مكانها حالة الرمي صار بستانًا يانعًا إن صح، هو مجموع آيات، فناسب الجمع بخلاف الإنجاء في السفينة فإنه آية واحدة، فلذلك أفرد آية هناك، انتهت.
وقرأ الجمهور: ﴿جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ بالنصب على أنه خبر ﴿كَانَ﴾ مقدم على اسمها، وما بعده اسمها، وقرأ الحسن وسالم الأفطس وعمرو بن دينار برفعه على أنه اسم ﴿كَانَ﴾، وما بعده في محل نصب على الخبر.
٢٥ - ثم ذكر ما قاله إبراهيم عليه السلام لهم، بعد إنجائه من النار، بقوله: ﴿وَقَالَ﴾ إبراهيم مخاطبًا لقومه، ومؤنبًا لهم، وموبخًا على سوء صنيعهم بعبادة الأوثان ﴿اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾؛ أي (٣): إنما اتخذتموها آلهة، لا لحجة قامت بذلك، بل ﴿مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾؛ أي: بل لأجل أن تتوادوا وتتحابوا بينكم، وتتلاطفوا بسبب اجتماعكم على عبادتها ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: مدة بقائكم في الدنيا.
والمعنى (٤): أي إنما اجتمعتم على عبادتها في الدنيا، للصداقة والألفة التي بين بعضكم وبعض، فأنتم تتحابون على عبادتها، وتتوادون على خدمتها، كما يتفق الناس على مذهب، فيكون ذلك سبب ألفتهم ومودتهم، لا لقيام الدليل
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.