﴿وَجَعَلْنَا في ذُرِّيَّتِهِ﴾؛ أي في ذرية إبراهيم ونسله، يعني: في بني إسماعيل وبني إسرائيل ﴿النُّبُوَّةَ﴾ والرسالة، فكثر منهم الأنبياء، يقال أخرج من ذريته ألف نبي، وكان شجرة الأنبياء ﴿وَالْكِتَابَ﴾؛ أي: جنس الكتاب المتناول الكتب الأربعة، يعني التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، فلم ينزل بعده كتاب إلا على ذريته. ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾؛ أي: أتينا إبراهيم وأعطيناه ﴿أَجْرَهُ﴾ وجزاءه بمقابلة هجرته إلينا ﴿في الدُّنْيَا﴾ بإعطاء الولد في غير أوانه، والمال والذرية الطيبة، واستمرار النبوة فيهم، وانتماء أهل الملل إليه، والثناء الحسن، والصلاة عليه إلى آخر الدهر.
أي (١): فبدل الله سبحانه وحدته بكثرة الذرية، وبدل قومه الضالين بقوم مهتدين، وهم ذريته الذين جعل فيهم النبوة والكتاب، وكان لا مال له ولا جاء، وهما غاية اللذة في الدنيا، فأكثر ماله وعظم جاهه، فصارت تقرن الصلاة عليه بالصلاة على سائر الأنبياء، وصار معروفًا بأنه شيخ الأنبياء، بعد أو كان خاملَ الذكر حتى قال قائلهم: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ وهذا لا يقال إلا في المجهول بين الناس، إلى أنه تعالى اتخذه خليلًا وجعله للناس إمامًا، وقيل (٢): أعطاه في الدنيا عملًا صالحًا وعاقبةً حسنةً.
﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: وإن إبراهيم ﴿في الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ أي: لفي عداد الكاملين في الصلاح والتقوى، والمستحقين لتوفير الأجر، وكثرة العطاء، والفوز بالدرجات العلى أو لدن رب العلمين، وهم الأنبياء وأتباعهم صلوات الله وسلامه عليهم، وقصارى أمره أنه سبحانه جمع له بين سعادة الدارين، وآتاه الحسن في الحياتين.
ثم اعلم (٣): بأن الله سبحانه وتعالى منَّ على إبراهيم عليه السلام بهبة الولد، والولد الصالح الذي يدعى لوالديه أو الأجور الباقية الغير المنقطعة،

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon