وقرأ أبو عمرو وسلام (١): ﴿يعلم ما﴾ بالإدغام، والجمهور بالفك. وقرأ الجمهور: ﴿تدعون﴾ بتاءالخطاب، وقرأ أبو عمرو وعاصم بخلاف عنه بياء الغيبة، واختار هذه القراءة أبو عبيدة لذكر الأمم قبل هذه الآية.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْعَزِيزُ﴾؛ أي: الغالب، القادر على الانتقام ممن كفر به، وأشرك معه في عبادته غيره، فاتقوا أيها المشركون به عقابه بالإيمان به، قبل نزوله بكم، كما نزل بالأمم الذين قص الله قصصهم في هذه السورة، فإنه إن نزل بكم، لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه شيئًا، وهو سبحانه ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ أي: ذو الحكمة البالغة في ترك المعاجلة بالعقوبة، أو الحكيم في تدبير خلقه، فمهلك من استوجب عمله الهلاك، ومؤخر من رأى فيه الرجاء للصلاح والاستقامة.
٤٣ - ولما كان (٢) الجهلة والسفهاء من قريش يقولون: إن رب محمد لا يستحيي أن يضرب مثلًا بالذباب والبعوضة والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، بيَّن فائدة ضرب الأمثال، فقال: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾ والأشباه؛ أي: هذا المثل وغيره من الأمثال المذكورة في القرآن، والمثل كلام سائر يتضمن تشبيه الآخر بالأول؛ أي: تشبيه حال الثاني بالأول.
﴿نَضْرِبُهَا﴾؛ أي: نذكرها ونبينها ﴿لِلنَّاسِ﴾؛ أي: لأهل مكة وغيرهم تقريبًا لما بعد عن أفهامهم، وإيضاحًا لما أشكل عليهم أمره واستعصى عليهم حكمه، ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا﴾؛ أي: وما يفهم حسن تلك الأمثال، وفائدتها التي ضربناها لأجلها ﴿إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ بالله، الراسخون في العلم، المتدبرون في الأشياء على ما ينبغي، المتفكرون فيما يُتلى وما يشاهدونه، وهم الذين عقلوا عن الله؛ أي: ما صدر عنه، فعملوا بطاعته، واجتنبوا سخطه، والعالم في الحقيقة من حجزه علمه عن المعاصي، فالعاصي جاهل وإن كان عالمًا صورة.

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon