ما أنزل إليك ﴿مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ أي: من القرآن، وأدم تلاوته تقربًا إلى الله بقراءته، وتحفظًا لنظمه، وتذكرًا لمعانيه وحقائقه، فإن القارىء المتأمل ينكشف له في كل مرة ما لم ينكشف قبل، وتذكيرًا للناس، وحملًا لهم على العمل بما فيه من الأحكام ومحاسن الآداب ومكارم الأخلاق، كما رؤي أن عمر - رضي الله عنه - أتي بسارق فأمر بقطع يده، فقال: لِم تقطع يدي؟ وكان جاهلًا بالأحكام، فقال له عمر: بما أمر الله في كتابه، فقال: اتل على، فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)﴾ فقال السارق: والله ما سمعتها ولو سمعتها ما سرقت، فأمر بقطع يده ولم يعذره. فسن عمر التراويح بالجماعة ليسمع الناس القرآن، وهذا هو السب في مشروعية التراويح.
وعن علي - رضي الله عنه - من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة، كان له بكل حرف مئة حسنة، ومن قرأ وهو جالس في الصلاة، فله بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأ وهو في غير الصلاة، وهو على وضوء، فخمس وعشرون حسنة، ومن قرأ على غير وضوء فعشر حسنات.
وعن الحسن البصري، قراءة القرآن في غير الصلاة، أفضل من صلاة لا يكون فيها كثير القراءة، قال الفقهاء أفضل التلاوة على الوضوء والجلوس نحو القبلة، وأن يكون غير مربع ولا متكىء ولا جالس جلسة متكبر، ولكن يجلس نحو ما يجلس بين يدي من يهابه ويحتشم منه.
﴿وَأَقِمِ﴾ يا محمد أنت وأمتك ﴿الصَّلَاةَ﴾؛ أي: داوم على إقامتها وأدائها على الوجه القيم، مريدًا بذلك وجه الله تعالى، والإنابة إليه مع الخشوع والخضوع له، والمراد بالصلاة هنا الصلوات المفروضة، ولما كان أمره - ﷺ - بإقامتها متضمنًا لأمر الأمة بها، علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ﴾ المعروفة، وهي المقرونة بشرائطها الظاهرة والباطنة، المستوفية لأركانها وآدابها ﴿تَنْهَى﴾ الناس وتمنعهم؛ أي: من شأنها وخاصيتها أن تنهاهم وتمنعهم ﴿عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾؛ أي: عن الفعلة القبيحة كالزنا والسرقة مثلًا ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾؛ أي: وعن كل ما أنكره الشرع


الصفحة التالية
Icon