والعقل، من الذنوب والمعاصي، ففيه عطف العام على الخاص، فكأنها (١) تقول له كيف تعصي ربًا هو أهل لما أتيت به، وكيف يليق بك أن تفعل ذلك وتعصيه، وأنت وقد أتيت بما أتيت به من أقوال وأفعال، تدل على عظمة المعبود وكبريائه، وإخباتك له وإنابتك إليه، وخضوعك لجبروته وقهره، إذا عصيته وفعلت الفحشاء والمنكر تكون كالمناقض نفسه بين قوله وفعله.
أي: تكون (٢) الصلاة سببًا للانتهاء عن المعاصي كبائرها وصغائرها، حال الاشتغال بها وغيرها، من حيث إنها تذكر الله وتورث للنفس خشية منه، قيل (٣): من كان مراعيًا للصلاة جره ذلك إلى أن ينتهي عن السيئات يومًا، فقد رُوي أنه قيل لرسول الله - ﷺ - إن فلانًا يصلي بالنهار وشرق بالليل، فقال: "إن صلاته لتردعه".
وروي أن فتى من الأنصار، كان يصلي معه - ﷺ - الصلوات، ولا يدع شيئًا من الفواحش إلا ركبه فوصف له، فقال: "إن صلاته ستنهاه، فلم يلبث أن تاب". وعن الحسن: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فليست صلاته بصلاة، وهي وبال عليه.
فإن قلت (٤): لم أمر بهذين الشيئين، تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط؟
قلت: لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة؟
قلبية: وهي الاعتقاد الحق.
ولسانية: وهي الذكر الحسن.
وبدنية: وهي العمل الصالح. لكن الاعتقاد لا يتكرر، فإن من اعتقد شيئًا لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى، بل ذلك يدوم مستمرًا فبقي الذكر والعبادة البدنية، وهما ممكنا التكرار، فلذلك أمر بهما.
وقيل (٥): معنى ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ﴾؛ أي: عن التعطيل

(١) المراغي
(٢) البيضاوي.
(٣) النسفي.
(٤) الخازن.
(٥) المراح بتصرف.


الصفحة التالية
Icon