له فيها غنية من سفك الدماء، ولكن قساة القلوب، غلاظ الأكباد تتوق نفوسهم إلى الولوع في الدم، ويجعلونه الترياق الشافي لحزازات نفوسهم، وسخائم أفئدتهم.
٥ - ثم ذكر سبحانه ما أكرم به هذه الأمة المستضعفة، وما أتاح لها من السلطان المديني والدنيوي فتأسست لهم دولة عظيمة في بلاد الشام وصاروا يتصرفون في أرض مصر كما شاؤوا فقال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: وأردنا أن نتفضل بإحساننا برسال موسى عليه السلام على من استضعفهم فرعون، وأذلهم، وهم بنو إسرائيل، وننجيهم من باسه، ونريهم في أنفسهم وفي أعدائهم فوق ما يحبون، وأكثر مما يؤملون بخلاصهم من فرعون، وإغراقه.
وقوله: ﴿وَنُرِيدُ﴾ معطوف على جملة قوله: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا﴾ وإن كانت الجملة المعطوف عليها اسمية؛ لأن بينهما تناسبًا من حيث إنَّ كل واحدة منهما وقع بيانًا وتفسيرًا لنبأ موسى وفرعون، ويجوز أن تكون حالًا من فاعل يستضعف، بتقدير مبتدأ؛ أي: ونحن نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، والأول أولى، والتعبير (١) في قوله: ﴿وَنُرِيدُ﴾ بصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية، واستحضار صورتها.
﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ أي: قادة في الخير، ودعاة إليه، وولاة على الناس، وملوكًا فيهم، بعد أن كانوا أتباعًا مسخرين لآخرين، وفي "كشف الإسرار": أي أنبياء، وكان بين موسى وعيسى عليهما السلام ألف نبي من بني إسرائيل.
﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ لملك فرعون ومساكن القبط، وأملاكهم، فيكون ملك فرعون فيهم، ويسكنون في مساكنه، ومساكن قومه، وينتفعون بأملاكه وأملاكهم، وأخر الوراثة عن الإمامة مع تقدمها عليها زمانًا، لانحطاط رتبتها عنها.
٦ - ونمكن لهم في الأرض؛ أي: ونسلطهم على أرض مصر والشام، يتصرفون فيهما كيف ما شاؤوا، بتأييدهم بكليم الله، ثم بالأنبياء من بعده، وأصل (٢)

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon