سامع، وفيه رمز إلى أن من سمعها لا يتصور منه التولية والاستكبار، لما فيها من الأمور الموجبة للإقبال عليها والخضوع لها.
وجملة قوله: ﴿كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ (١) حال ثانية أو بدل من التي قبلها، أو حال من ضمير ﴿لَمْ يَسْمَعْهَا﴾؛ أي: حال كونه مشابهًا حاله حال من في أذنيه، وقر؛ أي: ثقل مانع من السماع، ﴿فَبَشِّرْهُ﴾؛ أي: فبشر ذلك المعرض ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: مؤلم؛ أي: فأخبره بأن العذاب لمفرط في الإيلام، لاحق به لا محالة، وذكر البشارة للتهكم.
أي (٢): وإذا تتلى آيات الكتاب الكريم على هذا الذي اشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله.. يعرض عن سماعها ويولي مستكبرًا، كأن في أذنيه ثقلًا فلا يصيخ لها، ولا يأبه لتلقفها وتأملها، ونحو الآية قوله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ ولما تسبب عن ذلك استحقاقه لما يزيل كبره وعظمته قال: ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾؛ أي: فبشر هذا المعرض وأوعده بالعذاب الذي يؤلمه ويقض مضجعه يوم القيامة.
فإن قلت (٣): لم زاد هنا ﴿كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ وحذفه في الجاثية حيث قال هنا: ﴿يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٨)﴾ مع أنهما نزلا في النضر بن الحارث، حيث كان يعدل عن سماع القرآن إلى اللهو وسماع الغناء؟
قلت: لأنه تعالى بالغ في ذمه هنا، فناسب زيادة ذلك بخلاف ما في الجاثية.
٨ - ولما بين سبحانه حال من يعرض عن الآيات بين حال من يقبل عليها، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا﴾ بآياتنا ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: عملوا بموجبها، قال في "كشف الأسرار": الإيمان التصديق بالقلب، وتحقيقه بالأعمال الصالحة،

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) فتح الرحمن.


الصفحة التالية
Icon