الصادين عن سبيله الحكيم، في تدبير خلقه، فلا يفعل إلا ما فيه الحكمة والمصلحة لهم.
١٠ - ثم بين سبحانه عزته وحكمته بقوله: ﴿خَلَقَ﴾ الله سبحانه وتعالى وأوجد ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ السبع وكذا الكرسي والعرش ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾؛ أي: بغير دعائم وسواري، على أن الجمع لتعدد السماوات، والعمد، بفتحتين: جمع عماد، كأهب وإهاب، وهو ما يعمد به؛ أي: يسند، والأولى أن تكون جملة ﴿تَرَوْنَهَا﴾ مستأنفة، جيء بها للاستشهاد على ما ذكر من خلقه تعالى إياها غير معمودة بمشاهدتهم لها كذلك، ويحتمل أن تكون في محل جر صفة لعمد؛ أي: خلقها بغير عمد مرئية على أن التقييد للرمز، على أنه تعالى عمدها بعمدٍ لا ترى، هي عمد القدرة.
واعلم: أن وقوف السماوات وثبات الأرض على هذا النظام، من غير اختلال، إنما هو بقدرة الله الملك المتعال. ﴿وَأَلْقَى﴾ سبحانه وتعالى وطرح ﴿الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾؛ أي: جبالًا ثوابت في نفسها، وثبت بها الأرض، شبه الجبال الرواسي استحقارًا لها، واستقلالًا لعددها، وإن كانت خلقًا عظيمًا بحصيات قبضهن قابض بيده، فنبذهن في الأرض، وما هو إلا تصوير وتمثيل لقدرته، وإن كل فعل عظيم يتحير فيه الأذهان، فهو هين عليه، والمراد: قال لها: كوني، فكانت فأصبحت الأرض قد أرسيت بالجبال، بعد أن كانت تمور مورًا؛ أي: تضطرب اضطرابًا، فلم يدر أحد مم خلقت.
وقوله: ﴿أَنْ تَمِيدَ﴾ الأرض، تتحرك وتضطرب ﴿بِكُمْ﴾ في محل نصب على العلة؛ أي: ألقى فيها رواسي كراهية أن تميد بكم، والكوفيون يقدرونه لئلا تميد بكم.
والمعنى (١): أنه خلقها وجعلها مستقرةً ثابتةً لا تتحرك، بجبال جعلها عليها وأرساها على ظهرها، والميد (٢): اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض، والمعنى: كراهية أن تميل بكم، فإن بساطة أجزائها تقتضي تبدل أحيازها

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon