وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته، أو لشيء من لوازمه بحيز معين ووضع مخصوص.
﴿وَبَثَّ فِيهَا﴾؛ أي: وفرق الله سبحانه في الأرض ﴿مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾؛ أي: من كل نوع من أنواع الدواب مع كثرتها واختلاف أجناسها، وبث الشيء: تفريقه، كبث الريح التراب، فبث كل دابة في الأرض إشارة إلى إيجاده تعالى، ما لم يكن موجودًا وإظهاره إياه، والدب والدبيب: مشي خفيف - كما سيأتي - ويستعمل ذلك في الحيوان وفي الحشرات أكثر.
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ﴾؛ أي: من السحاب؛ لأن السماء في اللغة: ما علاك وأظلك، ﴿مَاءً﴾ هو المطر ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا﴾؛ أي: في الأرض بسبب ذلك الماء، والالتفات إلى نون العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بأمرهما ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾؛ أي: صنف ﴿كَرِيمٍ﴾؛ أي: كثير المنفعة، ووصفه بكونه كريمًا لحسن لونه وكثرة منافعه، وقيل المراد بذلك: الناس، فالكريم منهم من يصير إلى الجنة، واللئيم من يصير إلى النار، قاله الشعبي وغيره، والأول أولى.
واعلم: أن كل ما في العالم فهو زوج، من حيث إن له ضدًا ما، أو مثلًا ما، أو تركبًا ما، من جوهر وعرض مادة وصورة، وفيه تنبيه على أنه لا بد للمركب من مركب، وهو الصانع الفرد.
ومعنى الآية (١): أي ومن الأدلة على قدرته البالغة، وحكمته الظاهرة: أن خلق السماوات السبع بغير عمد تستند إليه، بل هي قائمة بقدرة الحكيم الفعال لما يشاء، وقد تقدم تفصيل ذلك في سورة الرعد، وأن ألقى في الأرض، وجعل على ظهرها ثوابت الجبال، لئلا تضطرب بكم وتميد بالمياه المحيطة بها الغامرة لأكثرها، وأن بث فيها من كل دابة؛ أي: وأن ذرأ فيها من أصناف الحيوان ما لا يعلم عددها، ومقادير أشكالها وألوانها، إلا الذي فطرها، وأن أنزلنا من السماء ماء، فكان ذلك سببًا لإنبات كل صنف كريم من النبات ذي المنافع الكثيرة،
١١ - ثم

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon