يعنيني. وقيل: كان عبدًا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين، وقيل: خير السودان بلال بن رباح، ومهجع مولى عمر، ولقمان، والنجاشي رابعهم، وأوتي الحكمة والعقل والفهم.
واتفق العلماء على أنه كان حكيمًا، ولم يقل نبيًا إلا عكرمة والشعبي، فقالا بنبوته، وعلى هذا تكون الحكمة هي النبوة، ويؤيد كونه حكيمًا لا نبيًا كونه أسود اللون؛ لأنه تعالى لم يبعث نبيًا إلا حسن الشكل حسن الصوت، وما روي أنه قيل له: ما أقبح وجهك يا لقمان، فقال: أتعيب بهذا على النقش أم على النقاش، وما قال عليه السلام: "حقًا أقول لم يكن لقمان نبيًا، ولكن كان عبدًا كثير التفكر حسن اليقين، أحب الله فأحبه، فمنّ عليه بالحكمة" وهي إصابة الحق باللسان، وإصابة الفكر بالجنان، واصابة الحركة بالأركان، إن تكلم.. تكلم بحكمة، وإن تفكر.. تفكر بحكمة، وإن تحرك.. تحرك بحكمة.
أي: وعزتي وجلالي لقد أعطينا لقمان الحكمة؛ أي: العقل والفطنة والإصابة في القول، وقيل: الحكمة: توفيق العمل بالعلم، فكل من أوتي توفيق العمل بالعلم فقد أوتي الحكمة، وقد نسب إليه من المقالات الحكيمة شيء كثير، كقوله لابنه: أي بني إن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها ناس كثيرون، فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى، وحشوها الإيمان، وشراعها التوكل على الله، لعلك تنجو ولا أراك ناجيًا وقوله: من كان له من نفسه واعظ كان له من الله حافظ، ومن أنصف الناس من نفسه.. زاده الله بذلك عزًا، والذلّ في طاعة الله، أقرب من التعزز بالمعصية وقوله: يا بني، لا تكن حلوًا فتبتلع، ولا مرًا فتلفظ. وقوله: يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلًا.. فأغضبه قبل ذلك، فإن أنصفك عند غضبه.. فآخه، وإلا فاحذره.
ولما كانت الحكمة من إنعام الله تعالى على لقمان، ونعمة من نعمه.. طالبه بشكره فقال: وقلنا له: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ سبحانه وتعالى على ما أعطاك من الحكمة، إذ آتاك الله إياها وأنت نائم غافل عنها جاهل بها، والشكر لله: هو الثناء عليه في مقابلة النعمة، وطاعته فيما أمر به.