والظاهر: أن ﴿أَنِ﴾: زائدة على هذا التفسير؛ أي: قلنا له: اشكر لله على ما أعطاك، وقيل: هي مفسرة؛ لأن إيتاء الحكمة في معنى القول؛ لأنه تعليم أو وحي.
والمعنى عليه: ولقد أعطينا لقمان الحكمة ووفقناه إياها، وهي شكره وحمده على ما آتاه من فضله، بالثناء عليه بما هو أهل له، وحب الخير للناس، وتوجيه الأعضاء إلى ما خلقت له.
ثم بين سبحانه أن الشكر لا ينتفع به إلا الشاكر، فقال: ﴿وَمَنْ يَشْكُرْ﴾ له تعالى على نعمه ﴿فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ لأن منفعة شكره التي هي دوام النعمة واستحقاق مزيدها، عائدة إليها مقصورة عليها، ولأن الكفران من الوصف اللازم للإنسان، فإنه ظلوم كفار، والشكر من صفة الحق تعالى، فإن الله شاكر عليم، فمن شكر.. فإنما يشكر لنفسه بإزالة صفة الكفران عنها، واتصافها بصفة شاكرية الحق تعالى، فيفوز بالثواب الجزيل على شكره، وينجو من العذاب الأليم، كما قال: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾.
﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ نعمة ربه فعليه وبال كفره ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه ﴿غَنِيٌّ﴾ عنه وعن شكره ﴿حَمِيدٌ﴾؛ أي: محمود في ذاته وصفاته وأفعاله، سواء حمده العباد وشكروه، أم كفروه، ولا يحيى عليه أحد ثناء كما يثني هو على نفسه، وعدم التعرض لكونه تعالى شكورًا، لما أن الحمد متضمن للشكر، وهو رأسه، كما قال عليه السلام: "الحمد رأس الشكر، لم يشكر الله عبد لم يحمده" فإثبات الحمد له تعالى إثبات للشكر، قال في "كشف الأسرار": رأس الحكمة: الشكر لله ثم المخافة منه، ثم القيام بطاعته. ولا شك أن لقمان امتثل أمر الله في الشكر وقام بعبوديته.
والمعنى: أي ومن كفر نعم الله عليه.. فإلى نفسه أساء؛ لأن الله معاقبه على كفرانه إياها، والله غني عن شكره؛ لأن شكره لا يزيد في سلطانه، وكفرانه لا ينقص من ملكه، وهو محمود على كل حال كفر العبد أو شكر. وقال يحيى بن سلام: غني عن خلقه، حميد في فعله.


الصفحة التالية
Icon