رحمة وشفقة وعطوفة، ولهذا أوصاه بما فيه سعادته إذا عمل بذلك.
وقرأ البزي وابن كثير (١): ﴿يا بني﴾ بإسكان الياء، ﴿ويا بني إنها﴾ بكسر الياء. ﴿ويا بني أقم﴾ بفتحها. وقيل: بالسكون في الأولى والثالثة. والكسر في الوسطى، وقرأ حفص والمفضل عن عاصم بالفتح في الثلاثة على تقدير يا بنيا، والاجتزاء عن الألف، وقرأ باقي السبعة بالكسر في الثلاثة.
﴿لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾؛ أي: لا تعدل بالله شيئًا في العبادة، ونهيه عن الشرك يدل على أنه كان كافرًا، كما تقدم، وجملة قوله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ تعليل لما قبلها؛ أي: أنه تسوية من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه، وبدأ في وعظه بنهيه عن الشرك؛ لأنه أهم من غيره، وأما عظمه، فلأنه لا يغفر أبدًا، قال الشاعر:

الْحَمْدُ للهِ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَمَنْ أبَاهَا فَنَفْسَهُ ظَلَمَا
وكان ابنه وامرأته كافرين، فما زال بهما حتى أسلما، بخلاف ابن نوح وامرأته، فإنهما لم يسلما، وبخلاف ابنتي لوط وامرأته، فإنه ابنتيه أسلمتا دون امرأته، ولذا ما سلمت فكانت حجرًا، كما في بعض الروايات، كما سبق، قيل: وعظ لقمان ابنه في ابتداء وعظه على مجانبة الشرك، والوعظ: زجر النفس عن الاشتغال بما دون الله، وهو التفريد للحق بالكل نفسًا وقلبًا وروحًا، فلا تشتغل بالنفس إلا بخدمته، ولا تلاحظ بالقلب سواه، ولا تشاهد بالروح غيره، وهو مقام التفريد بالتوحيد.
وقد اختلف في هذه الجملة (٢)، فقيل: هي من كلام لقمان، وقيل: من كلام الله تعالى، فتكون منقطعة عما قبلها، ويؤيد هذا ما ثبت في الحديث الصحيح: أنها لما نزلت ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ شق ذلك على الصحابة، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فأنزل الله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ فطابت أنفسهم. أخرجه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه.
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon