ومعنى الآية (١): أي واذكر أيها الرسول الكريم لقومك موعظة لقمان لابنه، وهو أشفق الناس عليه وأحبهم لديه، حين أمره أن يعبد الله وحده، ونهاه عن الشرك، وبين له أنه ظلم عظيم، أما كونه ظلمًا فلما فيه من وضع الشيء في غير موضعه، وأما أنه عظيم، فلما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه، وهو سبحانه وتعالى، ومن لا نعمة لها، وهي الأصنام والأوثان.
١٤ - وبعد أن ذكر سبحانه ما أوصى به لقمان ابنه، من شكر المنعم الأول، الذي لم يشركه أحد في إيجاده إياه، وذكر ما في الشرك من الشناعة.. أتبعه بوصيته الولد بالوالدين، لكونهما السبب في وجوده، فقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ إلى قوله: ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: اعتراض في أثناء وصية لقمان، تأكيدًا لما فيها من النهي عن الشرك؛ أي: وأمرنا (٢) الإنسان ببر والديه وطاعتهما، والقيام بحقوقهما وبالإحسان إليهما، وكثيرًا ما يقرن القرآن بين طاعة الله وبر الوالدين، كقوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ وفسر الوصية بقوله الآتي: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ وما بينهما: اعتراض بين المفسَّر والمفسِّر، وفي جعل الشكر لها مقترنًا بالشكر لله، دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها وجوبًا.
ومعنى ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ﴾ في بطنها ﴿وَهْنًا﴾؛ أي: حالة كونها ذات وهن وضعف بحمله، أو تهن وهنًا ﴿عَلَى وَهْنٍ﴾؛ أي: تضعف ضعفًا فوق ضعف، فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها؛ أي: حملته وهي في ضعف بتزايد بازدياد ثقل الحمل إلى حين الطلق، ثم مدة النفاس، وقيل: المعنى: إن المرأة ضعيفة الخلقة، ثم يضعفها الحمل، وهذه منة خاصة بالوالدة لما فيها من كبير المشقة.
وقرأ الجمهور: ﴿وهنًا﴾ بسكون الهاء في الموضعين، وقرأ عيسى الثقفي - وهي رواية عن أبي عمرو: بفتحمهما وهما لغتان، ثم أردفها بمنة أخرى، وهي الشفقة عليه، وحسن كفالته حين لا يملك لنفسه شيئًا، فقال: ﴿وَفِصَالُهُ﴾: مبتدأ

(١) المراغي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon