خبره ﴿فِي عَامَيْنِ﴾؛ أي (١): وفطام الإنسان من اللبن يقع في تمام عامين من وقت الولادة، وهي مدة الرضاع عند الشافعي، فلا يثبت حرمة الرضاع بعدها، فالإرضاع عنده واجب إلى الاستغناء، ويستحب إلى الحولين، وجائز إلى حولين ونصفٍ، قال في "الوسيط": المقصود ذكر مشقة الوالدة، بإرضاع الولد بعد الوضع عامين.
وقرأ الجمهور: ﴿وفصاله﴾ بالألف، وقرأ الحسن وأبو جعفر وقتادة والجحدري ويعقوب ﴿وفصله﴾ ومعناه الفطام، وهما لغتان.
والمعنى: أي وفطامه من الرضاع بعد وضعه في تمام عامين، تقاسي فيها الأم في رضاعه وشؤونه في تلك الحقبة جم المصاعب والآلام، التي لا يقدر قدرها إلا العليم بها، ومن لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وقد وصى (٢) بالوالدين، لكنه ذكر السبب في جانب الأم فحسب؛ لأن المشقة التي تلحقها أعظم، فقد حملته في بطنها ثقيلًا، ثم وضعته وربته ليلًا ونهارًا، ومن ثم قال - ﷺ - لمن سأله من أبر: أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم قال بعد ذلك: ثم أباك، ثم فسر هذه الوصية بقوله: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ والأولى أن تكون ﴿أَنِ﴾ مفسرة؛ أي: قلنا له: اشكر لي حيث أوجدتك وهديتك بالإِسلام، واشكر لوالديك حيث ربياك صغيرًا، وقاسا فيك ما قاسا من المشقة، حتى استحكمت قواك، وشكر الحق بالتعظيم والتكبير، وشكر الوالدين بالإشفاق والتوقير، وقال الزجاج: هي مصدرية، والمعنى: بأن اشكر لي، وقال النحاس: وأجود منه أن تكون ﴿أَنِ﴾ مفسرة، وفي "شرح الحكم": قرن شكرهما بشكره، إذ هما أصل وجودك المجازي، كما أن أصل وجودك الحقيقي فضله وكرمه، فله حقيقة الشكر، كما له حقيقة النعمة، ولغيره مجازه، كما لغيره مجازها.
وفي الحديث: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس" فجعل شكر الناس شرطًا

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon