ففيه (١) إطلاق المصدر؛ أي: العزم على المفعول؛ أي: المعزوم.
والمعنى: من معزومات الأمور ومقطوعاتها ومفروضاتها، بمعنى مما عزمه الله؛ أي: قطعه قطع إيجاب، وأمر به العباد أمرًا حتمًا، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل؛ أي: من عازمات الأمور وواجباتها ولازماتها من قوله: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾؛ أي: جد. وفي هذا (٢) دليل على قدم هذه الطاعات والحث عليها في شريعة من تقدمنا، وبيان لهذه الأمة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ينبغي أن يكون صابرًا على ما يصيبه في ذلك، إن كان أمره ونهيه لوجه الله؛ لأنه قد أصابه ذلك في ذات الله وشأنه.
١٨ - وبعد أن أمره بأشياء، حذّره من أخرى فقال:
١ - ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾؛ أي: ولا تعرض بوجهك، ولا تمل خدك عمن تكلمه من الناس، تكبرًا واحتقارًا له، بل أقبل عليه بوجهك كله، متهللًا مستبشرًا من غير كبرٍ ولا عتوٍ، ومن هذا ما رواه مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله - ﷺ - قال: لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".
وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وزيد بن علي (٣): ﴿تصعر﴾ بفتح الصاد وشد العين، وباقي السبعة: بألف. والجحدري: ﴿يصعر﴾ مضارع أصعر.
والمعنى: أقبل على الناس بجملة وجهك عند السلام والكلام واللقاء، تواضعًا، ولا تحول وجهك عنهم، ولا تغط شق وجهك وصفحته، كما يفعله المتكبرون استحقارًا للناس، خصوصًا الفقراء، وليكن الغني والفقير عندك على السوية في حسن المعاملة.
٢ - ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ﴾ حال كونك ﴿مَرَحًا﴾؛ أي: ذا مرح وخيلاء وفرح

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon