والباطنة، فأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح الشبه والعلل.
روي: أن النبي - ﷺ - قال لابن عباس، وقد سأله عن هذه الآية: "الظاهرة: الإِسلام وما حسن من خلقك، والباطنة: ما ستر عليك من سيء عملك" وقيل: الظاهرة: الصحة وكمال الخلق، والباطنة: المعرفة والعقل، وقيل: الظاهرة: ما يرى بالأبصار من المال والجاة والجمال وتوفيق الطاعات، والباطنة: ما يجده المرء في نفسه من العلم بالله وحسن اليقين، وما يدفع عن العبد من الآفات، وقيل: الظاهرة: نعم الدنيا، والباطنة: نعم الآخرة.
ثم ذكر أنه مع كل هذه الأدلة الظاهرة قد مارى وجادل بعض الناس دون برهان عقل، ولا مستند من نقل، فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾؛ أي: وبعض الناس، فهو مبتدأ، وخبره قوله: ﴿مَنْ يُجَادِلُ﴾؛ أي: وبعض الناس والمشركين يخاصم ﴿فِي﴾ توحيد ﴿اللَّهِ﴾ سبحانه وصفاته وينكرها، كالنضر بن الحارث وأبي بن خلف، ويميل إلى الشرك حيث يزعم أن الملائكة بنات الله ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ مستفاد من عقل ﴿وَلَا هُدًى﴾ مستفادٍ من جهة الرسول ﴿وَلَا كِتَابٍ﴾ أنزله الله سبحانه ﴿مُنِيرٍ﴾؛ أي: مضيء له بالحجة،
٢١ - بل يجادل بمجرد التقليد، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾؛ أي: لهؤلاء المجادلين، والجمع باعتبار معنى من ﴿اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ تعالى على نبيه من القرآن الواضح، والنور البيّن، فآمنوا به ﴿قَالُوا﴾ لا نتبعه ﴿بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾ الأقدمين من عبادة الأصنام والأوثان والملائكة، فإنهم كانوا أهل حق ودين صحيح، فنعبد ما كانوا يعبدونه من الأصنام، ونمشي في الطريق الذي كانوا به في دينهم، فوبخهم سبحانه على تلك المقالة التي هي من حبائل الشيطان ووساوسه، فقال: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ﴾؛ أي: يدعو آباءهم، والهمزة فيه (١) للاستفهام الإنكاري المضمن للتعجب من التعلق بشبهة هي في غاية البعد من مقتضى العقل، داخلة على محذوف، والضمير عائد إلى الآباء، والجملة في حيز النصب على الحالية من المحذوف.