نسأل الله سبحانه وتعالى أن يختم لنا على أفضل الأعمال، الذي هو التوحيد، وذكر رب العرش المجيد، ويجعلنا في جنات تجري من تحتها الأنهار، ويشرفنا بجوار المصطفى المختار، مع آله الأخيار، وصحابته الأبرار، عليه وعليهم صلوات الله وسلامه أجمعين.
٣٤ - ثم ذكر سبحانه خمسة أشياء، لا يعلمها إلا هو، فقال:
١ - ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عِنْدَهُ عِلْمُ﴾ وقت قيام ﴿السَّاعَةِ﴾؛ أي: لا عند غيره، قال الفراء (١): إن معنى هذا الكلام النفي؛ أي: ما يعلمه أحد إلا الله عز وجل، والساعة: جزء من أجزاء الجديدين، سميت بها القيامة؛ لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا؛ أي: عنده تعالى علم وقت قيام الساعة، وما يتبعه من الأحوال والأهوال، وهو متفرد بعلمه، فلا يعلمه أحد سواه، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، كما قال: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ فلا يدري أحد من الناس في أي سنة، وفي أي شهر، وفي أي ساعة من ساعات الليل والنهار تقوم القيامة.
٢ - ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ في وقته المقدر له، ومكانه المعين في علمه تعالى، والفلكيون (٢) وإن علموا الخسوف والكسوف ونزول الأمطار بالأدلة، فليس ذلك غيبًا، بل بأماراتٍ وأدلةٍ تدخل في مقدور الإنسان، ولا سيما أن بعضها قد يكون أحيانًا في مرتبة الظن، لا في مرتبة اليقين.
وهذه الجملة: معطوفة على ما يقتضيه الظرف في قوله: ﴿عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ من الفعل، تقديره: إن الله سبحانه يثبت عنده علم الساعة، وينزل الغيث، كما في "المدارك"، وهذا من (٣) حيث ظاهر التركيب، وأما من حيث المعنى فهو معطوف على ﴿السَّاعَةِ﴾ فيكون العلم مسلطًا عليه؛ أي: وعنده علم وقت نزول الغيث، وسمي المطر غيثًا؛ لأنه غياث الخلق، به رزقهم، وعليه بقاؤهم فالغيث مخصوص بالمطر النافع.

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon