والمعنى (١): أي وينزل الغيث في زمانه الذي قدره من غير تقديم ولا تأخير إلى محله الذي عينه في علمه، من غير خطأ، ولا تبديل، فهو منفرد بعلم زمانه ومكانه وعدد قطراته، روي مرفوعًا: "ما من ساعة من ليل، ولا نهار، إلا السماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء"، وفي الحديث: "ما سنة بأمطر من أخرى، ولكن إذا عمل قوم بالمعاصي.. حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعًا.. صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار". فمن أراد استجلاب الرحمة.. فعليه بالتوبة والندامة والتضرع إلى قاضي الحاجات بأخلص المناجاة.
قرأ الجمهور: ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ مشددًا، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي: مخففًا.
٣ - ﴿وَيَعْلَمُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾؛ أي: ما في أرحام النساء من الجنين؛ أي: يعلم ذاته، أذكر أم أنثى، حي أم ميت، وصفاته، أتام الخلق أم ناقصة، حسن أم قبيح، أحمر أم أسود، سعيد أم شقي؛ أي: يعلم أوصافه في حالة كونه نطفةً قبل تمام خلقه، وما يعرفه الناس الآن بالعلم الحديث، فبعد تمام خلقه، والأرحام: جمع رحم: بيت منبت الولد ووعاؤه.
٤ - ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ﴾ من النفوس وما تعرف ﴿مَاذَا﴾؛ أي: أيّ شيء ﴿تَكْسِبُ﴾ وتفعل ﴿غَدًا﴾؛ أي: يومًا تاليًا ليومها الذي هي فيها؛ أي: لا يعرف (٢) أحد من الناس ماذا يفعل غدًا، وماذا يحصل له فيه من خير أو شر، ووفاق وشقاق، وربما يعزم على خير فيفعل الشر وبالعكس، وإذا لم يكن للإنسان طريق إلى معرفة ما هو أخص به من كسبه، وإن أعمل حيله، وأنفذ فيها وسعه.. كان من معرفة ما عداه، مما لم ينصب له دليل عليه أبعد، وكذا إذا لم يعلم ما في الغد مع قربه فما يكون بعده لا يعلمه بطريق الأولى.
والمعنى: أي وما تدري نفس من النفوس كائنةً ما كان، من غير فرق بين الملائكة والأنبياء والجن والإنس، ماذا تكسب غدًا من كسب دين أو كسب دنيا.

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon