٥ - ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ﴾ من النفوس وإن أعملت حيلها ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ﴾ ومكان ﴿تَمُوتُ﴾؛ أي: لا تدري أين مضجعها من الأرض، أفي بحر أم في بر أم في سهل أم في جبل، كما لا تدري في أي وقت تموت، وإن كانت تدري أنها تموت في الأرض في وقت من الأوقات، وربما أقامت بمكان ناوية أن لا تفارقه إلى أن تدفن به، ثم تدفن في مكان لم يخطر لها ببال قط، ومن ادعى أنه يعلم شيئًا من هذه الخمس فقد كفر بالقرآن؛ لأنه خالفه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ﴾، وقرأ أبي بن كعب وموسى الأهوازي وابن أبي عبلة: ﴿بأية أرض﴾ بتاء التأنيث لإضافتها إلى المؤنث، وجوز الفراء ذلك، وهي لغة ضعيفة قليلة.
فإن قلت (٢): لم قال تعالى: ﴿بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ ولم يقل: بأي وقت تموت، مع أن كلًّا منهما غير معلوم لغيره تعالى، بل نفي العلم بالزمان أولى، لأن من الناس من يدعي علمه بخلاف المكان؟
قلت: إنما خص المكان بنفي علمه؛ لأن الكون في مكان دون مكان في وسع الإنسان واختياره، فاعتقاده علم مكان موته أقرب، بخلاف الزمان، ولأن للمكان دون الزمان تاثيرًا في جلب الصحة والسقم، أو تأثيره فيهما أكثر.
تنبيه (٣): أضاف في الآية العلم إلى نفسه في الثلاثة الأولى من الخمسة المذكورة، ونفى العلم عن العباد في الأخيرتين منها، مع أن الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها، وانتفاء علم العباد بها، لأن الثلاثة الأولى أمرها أعظم وأفخم، فخصت بالإضافة إليه تعالى، والأخيرتان من صفات العباد، فخصتا بالإضافة إليهم، مع أنه إذا انتفى عنهم علمهما.. كان انتفاء علم ما عداهما من الخمسة أولى. اهـ. "كرخي".
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال خرج علينا رسول الله - ﷺ - يطوف

(١) البحر المحيط.
(٢) فتح الرحمن.
(٣) الفتوحات.


الصفحة التالية
Icon