ببعض نواحي المدينة، فإذا بقبر يحفر فأقبل حتى وقف عليه، فقال: "لمن هذا": قيل لرجل من الحبشة، فقال: "لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه، حتى دفن في الأرض التي خلق منها، تقول الأرض يوم القيامة: يا رب هذا ما استودعتني" وأنشدوا:

إِذَا مَا حَمَامُ الْمَرْءِ كَانَ بِبَلدَةٍ دَعَتْهُ إِلَيْهَا حَاجَةٌ فَيَطِيْرُ
وفي قوله: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ تنبيه العبد على التيقظ للموت، والاستعداد له بحسن الطاعة، والخروج عن المظلمة، وقضاء الدين، وإثبات الوصية بماله وما عليه في الحضر، فضلًا عن أوان الخروج عن وطنه إلى سفر، فإنه لا يدري أين كتبت منيته من بقاع الأرض، وأنشد بعضهم:
مَشَيْنَا فِيْ خُطَىً كُتِبَتْ عَلَيْنَا وَمَنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ خُطَىً مَشَاهَا
وَأَرْزَاقٌ لَنَا مُتَفَرِّقَاتٌ فَمَنْ لَمْ تَأتِهِ مِنَّا أَتَاهَا
وَمَنْ كُتِبَتْ مَنِيَّتُهُ بِأَرْضٍ فَلَيْسَ يَمُوْتُ فِي أرْضٍ سِوَاهَا
﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ﴾ يعلم الأشياء كلها، هذه الخمسة وغيرها، ﴿خَبِيرٌ﴾ يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.
فإن قلت: لم عد هذه الخمسة المذكورة في الآية فقط، مع أن كل المغيبات لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى؟
قلت: خصها لما أن السؤال عنها ورد كما سبق في سبب النزول، وكان أهل الجاهلية يسألون المنجمين عن هذه الخمسة، زاعمين أنهم يعرفونها، وتصديق الكاهن فيما يخبره من الغيب كفر، لقوله - ﷺ -: "من أتى كاهنًا فصدقه فيما يقول.. فقد كفر بما أنزل الله على محمد". والكاهن: هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور، فمنهم من يزعم أن له رئيًا من الجن يلقى إليه الأخبار.
وفي الحديث: "من سأل عرافًا.. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". والعراف: من يخبر عن المسروق ومكان الضالة، والمراد: من سأله على وجه


الصفحة التالية
Icon