يَمنعكم ممن أراد بكم سوءًا، ولا يقدر أحد على دفع السوء عنكم إذا هو أراد وقوعه بكم؛ لأنه لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب.
ثم أمرهم بالتذكر والتدبر في الأدلة فقال: ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ و (الهمزة) فيه للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير (١): ألا تسمعون هذه المواعظ فلا تتذكرون بها، فالإنكار متوجه إلى عدم الاستماع وعدم التذكر، أو تسمعونها فلا تتذكرون بها، فالإنكار متوجه إلى عدم التذكر مع تحقق ما يوجبه من السماع.
والفرق بين التذكر والتفكر (٢): أن التفكر عند فقدان المطلوب لاحتجاب القلب بالصفات النفسانية، وأما التذكر: فهو عند رفع الحجاب والرجوع إلى الفطرة الأولى، فيتذكر ما انطبع في الأزل من التوحيد والمعارف.
والمعنى (٣): أي أفلا تعتبرون وتتفكرون أيها العابدون غيره تعالى، المتوكلون على من عداه، تعالى وتقدس عن أن يكون له نظير أو شريك، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.
٥ - ولما بين سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، وما بينهما.. بين تدبيره لأمرها فقال: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾؛ أي: أمر الدنيا وشأنها وحالا، والأمور التي تقع فيها؛ أي: ينزّل قضاءه وقدره ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾ مدبرًا بوساطة الملائكة الموكلين بأمر الدنيا ﴿إِلَى الْأَرْضِ﴾ مدة دوام الدنيا.
وروى (٤) عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط، يدبر أمر الدنيا أربعة: جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل صلوات الله عليهم وسلامه، فأما: جبريل، فموكل بالرياح والجنود، وأما ميكائيل فموكل بالقطر والماء، وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح، وأما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم.
(٢) الإرشاد.
(٣) المراغي.
(٤) الفتوحات.