أيضًا (١): ذلك المدبر لهذه الأمور، هو العالم بما يغيب عن أبصاركم، مما تكنه الصدور وتخفيه النفوس، وما لم يكن بعد مما هو كائن، وبما شاهدته الأبصار وعاينته، وهو الشديد في انتقامه ممن كفر به وأشرك معه غيره وكذب رسله، وهو الرحيم بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله، وعمل صالحًا، وهو الذي أحسن خلق الأشياء وأحكمها.
وقرأ زيد بن علي (٢): ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ بخفض الأوصاف الثلاثة، وأبو زيد النحوي: بخفض ﴿الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾، وقرأ الجمهور: برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك، أو الأول خبر والتاليان وصفان له، ووجه الخفض: أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر، وهو فاعل بـ ﴿يَعْرُجُ﴾؛ أي: ثم يعرج إليه ذلك؛ أي: الأمر المدبر، ويكون ﴿عَالِمُ﴾ وما بعده: بدلًا من الضمير في ﴿إِلَيْهِ﴾، وفي قراءة أبي زيد النحوي: يكون ﴿ذَلِكَ عَالِمُ﴾: مبتدأ وخبرًا، و ﴿الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ بالخفض بدلًا من الضمير في ﴿إِلَيْهِ﴾.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿خَلَقَهُ﴾ بفتح اللام، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: بإسكانها، فعلى القراءة الأولى، هو فعل ماض نعتًا لـ ﴿شَيْءٍ﴾، فهو في محل جر، وأما على القراءة الثانية ففي نصبه أوجه:
الأول: أن يكون بدلًا من ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ بدل اشتمال، والضمير عائد إلى ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾، وهذا هو الوجه المشهور عند النحاة.
الثاني: أنه بدل كل من كل، والضمير: راجع إلى الله سبحانه، ومعنى ﴿أَحْسَنَ﴾: حسن؛ لأنه ما من شيء إلا وهو مخلوق على ما تقتضيه الحكمة، فكل المخلوقات حسنة.
الثالث: أن يكون ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾: هو المفعول الأول، و ﴿خَلَقَهُ﴾: هو المفعول الثاني على تضمين ﴿أَحْسَنَ﴾ معنى أعطى، والمعنى: أعطى كل شيء
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.