روحه، وجعلها تتعلق ببدنه، فيبدأ يتحرك وتظهر فيه آثار الحياة، ثم ينطق ويتكلم، وأضاف الروح إلى نفسه تشريفًا وإظهارًا بأنه خلق عجيب، ومخلوق شريف، وأن له شأنًا له مناسبة إلى حضرة الربوبية، ولأجله قيل: من عرف نفسه فقد عرف ربه.
وفي "الكواشي" جعل فيه الشيء الذي اختص به تعالى، ولذلك أضاف إليه، فصار بذلك حيًا حساسًا، بعد أن ان جمادًا، لا أن ثمة حقيقة نفخٍ. اهـ.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام (١): الروح: ليس بجسم يحل في البدن حلول الماء في الإناء، ولا هو عرض يحل في القلب أو الدماغ حلول السواد في الأسود، والعلم في العالم، بل هو جوهر لا يتجزأ باتفاق أهل البصائر، فالتسوية عبارة عن فعل في المحل القابل، وهو الطين في حق آدم عليه السلام، والنطفة في حق أولاده، بالتصفية وتعديل المزاج، حتى ينتهي في الصفاء ومناسبة الأجزاء إلى الغاية، فيستعدّ لقبول الروح وإمساكها، والنفخ: عبارة عما اشتعل به نور الروح في المحلل القابل، فالنفخ سبب الاشتعال، وصورة النفخ في حق الله تعالى والمسبب غير محال، فعبر عن نتيجة النفخ وهو الاشتعال بالنفخ.. إلى آخر ما ذكره الشيخ.
فإن قلت (٢): قال هنا بلفظ: ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ وفي المؤمنين بلفظ ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾ فلم غاير بين الأسلوبين؟
قلت: لأن المذكور هنا صفة ذرية آدم، والمذكور هناك صفة آدم عليه السلام.
ثم خاطب جميع النوع فقال: ﴿وَجَعَلَ﴾؛ أي: خلق ﴿لَكُمُ﴾؛ أي: لمنافعكم يا بني آدم ﴿السَّمْعَ﴾ لتسمعوا الآيات التنزيلية الناطقة بالبعث وبالتوحيد، وإفراد ﴿السَّمْعَ﴾ لكونه مصدرًا يشمل القليل والكثير. ﴿وَالْأَبْصَارَ﴾ لتبصروا الآيات التكوينية المشاهدة فيهما ﴿وَالْأَفْئِدَةَ﴾ لتعقلوا وتستدلوا بها على حقيقة
(٢) فتح الرحمن.