الآيتين، جمع فؤاد بمعنى القلب، لكن إنما يقال: فؤاد: إذا اعتبر في القلب معنى التفؤد؛ أي: التوقد.
﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾؛ أي: تشكرون رب هذه النعم شكرًا قليلًا، على أن القلة بمعنى النفي والعدم، فهو بيان لكفرهم بتلك النعم وربها، وفي قوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ﴾ التفات من الغيبة في قوله: ﴿وَنَفَخَ فِيهِ﴾ إلى الخطاب، والنكتة: أن الخطاب إنما يكون مع الحي، فلما نفخ فيه الروح.. حسن خطابه. اهـ. "صاوي".
وخص (١) ﴿السَّمْعَ﴾ بذكر المصدر دون البصر والفؤاد فذكرهما بالاسم، ولهذا جمعا، لأن السمع قوة واحدة، ولها محل واحد، وهو الأذن، ولا اختيار لها فيه، فإن الصوت يصل إليها ولا تقدر على رده، ولا على تخصيص السمع ببعض المسموعات دون بعض، بخلاف الأبصار، فمحلها العين، وله فيه اختيار، فإنها تتحرك إلى جانب المرئي دون غيره، وتطبق أجفانها إذا لم ترد الرؤية لشيء، وكذلك الفؤاد، له نوع اختيار في إدراكه، فيتعقل هذا دون هذا، ويفهم هذا دون هذا.
والمعنى: أي وأنعم عليكم فأعطاكم السمع تسمعون به الأصوات، والأبصار تبصرون بها المرئيات، والأفئدة تميزون بها بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وجاء الترتيب (٢) هكذا بتقديم السمع ثم البصر ثم الفؤاد، لما ثبت من أن الطفل بعد الولادة يسمع ولا يبصر مدى ثلاثة أيام، ثم يبتدىء يبصر، ثم يبتدىء يدرك ويميز، كما هو مشاهد، ثم إن الإنسان قابل هذه النعم بالكفران، إلا من رحم الله تعالى، فقال: ﴿قَلِيلًا﴾؛ أي: شكرًا قليلًا، أو زمانًا قليلًا تشكرون ربكم على هذه النعم، التي أنعم بها عليكم باستعمالها في طاعته، وعمل ما يرضيه، وفي هذا بيان لكفرهم لنعم الله، وتركهم لشكرها، إلا فيما ندر من الأحوال.

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon