أن حال أهل اليقظة والكشف، ليس كحال أهل الغفلة والحجاب، فإنهم لكمال حرصهم على المناجاة، ترتفع جنوبهم عن المضاجع حين ناموا بغير اختيارهم، كأن الأرض ألقتهم من نفسها، وأما أهل الغفلة فيتلاصقون بالأرض لا يحركهم محرك.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (١): أنه قال في الآية: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾: كلما استيقظوا.. ذكروا الله عز وجل، إما في الصلاة، وإما في قيام أو قعود أو على جنوبهم، لا يزالون يذكرون الله تعالى.
وجملة قوله: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ حال من ضمير ﴿جُنُوبُهُمْ﴾؛ أي: تتجافى جنوبهم عن المضاجع، حال كونهم يدعون ربهم على الاستمرار ﴿خَوْفًا﴾ من سخطه وعذابه وعدم قبول عبادته منهم ﴿وَطَمَعًا﴾ في رحمته وثوابه، وانتصاب ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ على العلة، أو على المصدرية بعامل محذوف.
وقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾؛ أي: ومما أعطيناهم من المال ﴿يُنْفِقُونَ﴾؛ أي: يصرفون في وجوه الخير والحسنات، معطوف على ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾. قال بعضهم (٢): وهذا الإنفاق عام في الواجب والتطوع، وذلك على ثلاثة أضرب: زكاة من نصاب، ومواساة من فضل، وإيثار من قوت.
ومعنى الآيتين (٣): أي ما يصدق بحججنا وآيات كتابنا، إلا الذين إذا وعظوا بها.. خروا لله سجدًا تذللًا واستكانة لعظمته، وإقرارًا بعبوديته، ونزهوه في سجودهم عما لا يليق به، مما يصفه به أهل الكفر، من الصاحبة والولد والشريك، يفعلون ذلك وهم لا يستكبرون عن طاعته، كما يفعل أهل الفسق والفجور حين يسمعونها، فإنهم يولون مستكبرين، كأن لم يسمعونها.
ثم ذكر بقية محاسنهم بقوله: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾ إلخ؛ أي: يتنحون عن

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon