مضاجعهم التي يضطجعون فيها لمنامهم، فلا ينامون، داعين ربهم خوفًا من سخطه وعذابه، وطمعًا في عفوه عنهم وتفضله عليهم برحمته ومغفرته، ومما رزقناهم من المال، ينفقون في وجوه البر، ويؤدون حقوقه التي أوجبها عليهم فيه.
١٧ - ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ﴾ من النفوس، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلًا عمن عداهم، لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي: لا تعلم نفس من النفوس؛ أي: نفس كانت ﴿مَا أُخْفِيَ لَهُمْ﴾؛ أي: ما أخفاه الله سبحانه لأولئك الذين عددت نعوتهم الجليلة من التجافي والدعاء والإنفاق.
والمراد: لا تعلم نفس ما أخفي لهم علمًا تفصيليًا، وإلا فنحن نعلم ما أعد للمؤمنين من النعيم إجمالًا، من حيث إنه غرفٌ في الجنة وقصور وأشجار وأنهار وملابس ومآكل وغير ذلك، ذكره أبو السعود.
ومحل الجملة: نصب بـ ﴿لَا تَعْلَمُ﴾ سدت مسد المفعولين ﴿مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾؛ أي: مما تقر به أعينهم، إذا رأوه، وتسكن به أنفسهم، وتطمئن إليه قلوبهم من النعيم واللذات، التي لم يطلع على مثلها أحد مما يحصل به الفرح.
جوزوا ذلك ﴿جَزَاءً﴾ وفاقًا ﴿بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بسبب ما كانوا يعملون في الدنيا، من إخلاص النية وصدق الطوية في الأعمال الصالحة، أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.
روى الشيخان وغيرهما، عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ -: "يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" قال أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه، عن ابن مسعود قال: إنه لمكتوب في التوراة: لقد أعد الله تعالى للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر،