وقال في "فتح الرحمن" (١) ذكر الوصف والضمير هنا، نظرًا للمضاف، وهو، العذاب، وأنثهما ثم نظرًا للمضاف إليه، وهو: النار، وخص ما هنا بالتذكير؛ لأن النار وقعت موقع ضميرها لتقدم ذكره، والضمير لا يوصف، فناسب التذكير، وفي سبأ لم يتقدم ذكر النار، ولا ضميرها فناسب التأنيث. انتهى.
٢١ - ثم بين أن عذاب الآخرة له مقدمات في الدنيا؛ لأن الذنب مستوجب لنتائجه عاجلًا أو آجلًا، فقال: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ﴾؛ أي: أهل مكة ﴿مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾؛ أي (٢): الأقرب، وهو عذاب الدنيا، وهو ما محنوا به من القحط سبع سنين، بدعاء النبي - ﷺ -، حين بالغوا في الأذية، حتى أكلوا الجيف والجلود والعظام المحترقة والعلهز، وهو الوبر والدم، بأن يخلط الدم بأوبار الإبل ويشوى على النار، وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان، وكذا ابتلوا بمصائب الدنيا وبلاياها، مما فيه تعذيبهم، حتى آل أمرهم إلى القتل والأسر يوم بدر، ﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾؛ أي: قبل العذاب الأكبر، الذي هو عذاب الآخرة، فـ ﴿دُونَ﴾ بمعنى قبل. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾؛ أي: لعل من بقي منهم وشاهده، ولعل في مثل هذا بمعنى كي ﴿يَرْجِعُونَ﴾ ويتوبون عما هم فيه من الكفر والمعاصي، بسبب ما ينزل بهم من العذاب إلى الإيمان والطاعة، ويتوبون عما كانوا فيه.
والمعنى: أي وعزتي وجلالي (٣)، لنبتلينهم بمصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها، من المجاعات والقتل، ونحو ذلك، عظةً لهم، ليقلعوا عن ذنوبهم قبل العذاب الأكبر، وهو عذاب يوم القيامة.
٢٢ - ثم ذكر حال من قابل آيات الله بالإعراض، بعد بيان حال من قابلها بالسجود والتسبيح والتحميد فقال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ الاستفهام: إنكاري، بمعنى

(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon