النظر، ولا يشكون فيها كما يشك الكفار من قومك في حق القرآن، ويحتمل (١) كونه معطوفًا على ﴿صَبَرُوا﴾ فيكون داخلًا في التعليق، ويحتمل أن يكون معطوفًا على ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ﴾.
والمعنى (٢): أي وجعلنا من بني إسرائيل رؤساء في الخير، يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم، وتقويتنا إياهم؛ لأنهم صبروا على طاعتنا، وعزفت أنفسهم عن لذات الدنيا وشهواتها، وكانوا من أهل اليقين بحججنا، وبما تبين لهم من الحق.
وفي ذلك إيماء إلى أن الكتاب الذي آتيناكه سيكون هداية للناس، وسيكون من أتباعه أئمة يهدون مثل تلك الهداية، بل رجحهم على الكل بكل كمال، فإن الأفضل أولى بإحراز الفضائل كلها.
وقرأ الكوفيون (٣): ﴿أَئِمَّةً﴾. قال النحاس: وهو لحن عند جميع النحويين، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة، وقرأ الجمهور (٤): ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ بفتح اللام وتشديد الميم، على أنها شرطية أو ظرفية، كما مر، وقرأ حمزة والكسائي وخلف وورش عن يعقوب ويحيى بن وثاب وطلحة والأعمش: بكسر اللام وتخفيف الميم؛ أي: جعلناهم أئمة لصبرهم، واختار هذه القراءة أبو عبيد، مستدلًا بقراءة ابن مسعود: ﴿بما صبروا﴾ بالباء.
٢٥ - ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿هُوَ﴾ لا غيره ﴿يَفْصِلُ﴾ ويقضي ﴿بَيْنَهُمْ﴾ ويحكم؛ أي: بين المؤمنين والكفار، أو بين بني إسرائيل، أو بين الأنبياء وأممهم المكذبين ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ فيميز بين المحق والمبطل، وكلمة ﴿هُوَ﴾ للتخصيم والتأكيد، وإن ذلك الفصل يوم القيامة، ليس إلا إليه وحده، لا يقدر عليه أحد سواه، ولا يفوض إلى من عداه ﴿فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ من أمور الدين في الدنيا.

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon