محمد ﴿مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ من القرآن؛ أي: واعمل بما ينزله إليك ربك من وحيه، وآي كتابه في كل أمورك، ولا تتبع شيئًا مما عداه من مشورات الكافرين والمنافقين، ولا من الرأي البحث، فإن فيما أوحي إليك ما يغنيك عن ذلك.
ثم علل ذلك بما يرغبه في اتباع الوحي، وبما ينأى به عن طاعة الكافرين والمنافقين، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾؛ أي: بما تعمل أنت وأصحابك ﴿خَبِيرًا﴾ لا يخفى عليه شيء منه، ثم يجازيكم على ذلك بما وعدكم به من الجزاء، وجملة ﴿إن﴾ معللة لأمره باتباع ما أوحي إليه، والأمر له - ﷺ - أمر لأمته، فهم مأمورون باتباع القرآن، كما هو مأمور باتباعه، ولذا جاء بخطابه وخطابهم في قوله: ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ على قراءة الجمهور، بالفوقية للخطاب، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم.
وقرأ أبو عمرو السلمي وابن أبي إسحاق (١): ﴿بما يعملون﴾ بياء الغيبة هنا، وفيما سيأتي في قوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾؛ أي: بما يعمل الكفار والمنافقون، ويحتمل أن يكون من باب الالتفات، وقرأ باقي السبعة ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ بتاء الخطاب في الموضعين.
٣ - ثم بعد أن أمره باتباع ما أوحي إليه من القرآن، وترك مراسيم الجاهلية، أمره بتفويض أموره إليه وحده، فقال: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾؛ أي: اعتمد عليه في شؤونك، وفوض أمورك إليه وحده ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ﴾ سبحانه ﴿وَكِيلًا﴾؛ أي: حافظًا يحفظ من توكل عليه، وكفيلًا له في جميع شؤونه، فلا تلتفت في شيء من أمرك إلى غيره.
والخلاصة: حسبك الله، فإنه إن أراد لك نفعًا.. لم يدفعه عنك أحد، وإن أراد بك ضرًا.. لم يمنعه منك أحد. قال الزروقي في "شرح الأسماء الحسنى": الوكيل: هو المتكفل بمصالح عباده، والكافي لهم في كل أمر، ومن عرف أنه الوكيل.. اكتفى به في كل أمره، فلم يدبر معه، ولم يعتمد إلا عليه، وخاصيته

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon