نفي الجوائح والمصائب وصرفها، فمن خاف ريحًا أو صاعقة أو نحوهما.. فليكثر منه، فإنه يصرف ويفتح له أبواب الخير والرزق.
٤ - ثم ذكر سبحانه مثلًا توطئةً وتمهيدًا لما يعقبه من الأحكام القرآنية، التي هي من الوحي الذي أمره الله باتباعه، فقال: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ﴾؛ أي: ما خلق الله سبحانه وتعالى ﴿لِرَجُلٍ﴾؛ أي: لشخص، وهو مخصوص بالذكر من الإنسان، والتنكير (١) فيه، و ﴿من﴾ الاستغراقية في قوله: ﴿مِنْ قَلْبَيْنِ﴾ لإفادة التعميم، والقلب: مضغة صغيرة في هيئة الصنوبرة، خلقها الله تعالى في الجانب الأيسر من صدر الإنسان، معلقة بعرق الوتين، وجعلها محلًا للعلم ﴿فِي جَوْفِهِ﴾؛ أي: في صدره، وذكره لزيادة التقرير، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.
وقيل: ﴿من﴾ في قوله: ﴿مِنْ قَلْبَيْنِ﴾: زائدة في المفعول، وإنما (٢) امتنع تعدد القلب؛ لأنه معدن الروح الحيواني، المتعلق للنفس الإنساني، ومنبع القوى بأسرها، فيمتنع تعدده، لأنه يؤدي إلى التناقض، وهو أن يكون كل منهما أصلًا لكل القوى، وغير أصل لها. اهـ. "كرخي".
قيل (٣): نزلت هذه الآية في أبي معمر جميل بن أسد الفهري، كما سبق، كان رجلًا لبيبًا حافظًا لما يسمع، فقالت قريش: ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلا من أجل أن له قلبين، وكان هو يقول: لي قلبان أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما هزم الله المشركين يوم بدر.. انهزم أبو معمر، فلقيه أبو سفيان، وإحدى نعليه بيده، والأخرى برجله، فقال له: يا أبا معمر ما حال الناس؟ فقال: انهزموا، فقال: ما بال إحدى نعليك في يدك، والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر: ما شعرت إلا أنهما في رجلي، فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.
(٢) الفتوحات.
(٣) المرح.