له، لا بـ ﴿أَخَذْنَا﴾ فإن المقصود نفس الميثاق، ثم بيان الغرض منه بيانًا قصديًا، كما ينبىء عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى الغيبة.
والمعنى: فعل الله ذلك ليسأل يوم القيامة الأنبياء الذين صدقوا عهودهم عما قالوا لقومهم وفي الخبر: "أنه يسأل القلم يوم القيامة، فيقول: ما فعلت بأمانتي؟ فيقول: يا رب سلمتها إلى اللوح، ثم يصير القلم يرتعد مخافة أن لا يصدقه اللوح، فيسأل اللوح، فيقر بأن القلم قد أدى الأمانة، وأنه قد سلمها إلى إسرافيل، فيقول لإسرافيل: ما فعلت بأمانتي التي سلمها إليك اللوح؟ فيقول: سلمتها إلى جبريل، فيقول لجبريل: ما فعلت بأمانتي؟ فيقول: سلمتها إلى أنبيائك، فيسأل الأنبياء فيقولون: سلمناها إلى خلقك، فذلك قوله: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ قال القرطبي: إذا كان الأنبياء يسألون، فكيف من سواهم.
وقوله تعالى: ﴿وَأَعَدَّ﴾؛ أي: هيأ في الآخرة ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾؛ أي: للمكذبين الرسل ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾؛ أي: وجيعًا معطوف على محذوف، دل عليه ﴿لِيَسْأَلَ...﴾ إلخ، فكأنه قال: فأثاب المؤمنين بهم، وأعد للكافرين بهم عذابًا أليمًا، وقيل: إنه قد حذف من الثاني ما أثبت مقابله في الأول، ومن الأول ما أثبت مقابلة في الثاني، والتقدير: ليسأل الصادقين عن صدقهم فأثابهم، ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم، وأعد لهم عذابًا أليمًا.
ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ وتكون جملة ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ﴾ مستأنفة، لبيان ما أعده للكفار.
غزوة الأحزاب المسماة بغزوة الخندق
وخلاصة هذه القصة، على ما قاله أرباب السير: أن نفرًا من اليهود قدموا على قريش في شوال سنة، خمس من الهجرة بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله - ﷺ -، وقالوا لهم: إن دينكم خير من دينه، ثم جاؤوا غطفان وقيسًا وغيلان، وحالفوا جميع هؤلاء أن يكونوا معهم عليه، فخرجت هذه القبائل، ومعها قادتها وزعماؤها، ولما سمع رسول الله - ﷺ - بمسيرهم.. أمر المسلمين


الصفحة التالية
Icon