وهو تنزيه الله عَزَّ وَجَلَّ عن كل ما لا يليق به، وحمده والثناء عليه، بما هو أهل له من صفات الجلال والكمال، ولما كان الإنسان حين الإصباح يخرج من حال النوم، التي هي أشبه بالموت منها إلى اليقظة، وكأنها حياة بعد موت.. أتبع ذلك بذكر الموت والحياة حقيقةً.
وعبارة أبي حبان هنا (١): لما بين سبحانه وتعالى عظيم قدرته في خلق السماوات والأرض بالحق، وهو حالة ابتداء العالم، وفي مصيرهم إلى الجنة والنار، وهي حالة الانتهاء.. أمر تعالى بتنزيهه من كل سوء، والظاهر أنه أمر عباده بتنزيهه في هذه الأوقات، لما يتجدد فيها من النعم، ويحتمل أن يكون كنايةً عن استغراق زمان العبد، وهو أن يكون ذاكرًا ربه، واصفه بما يجب له على كل حال، وقال الزمخشري: لما ذكر الوعد والوعيد.. أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد، وينجي من الوعيد. انتهت.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما أمر بتنزيهه عن الأسواء والنقائص، التي لا تليق بجلاله وكماله، وذكر أن الحمد له على خلقه جميع الموجودات، وبين قدرته على الإماتة والإحياء بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾.. ذكر هنا أدلةً باهرةً، وحججًا ظاهرةً على البعث والإعادة، منها خلقكم من التراب الذي لم يشم رائحة الحياة، ولا مناسبة بينه وبين ما أنتم عليه في ذاتكم وصفاتكم، ثم إبقاء نوعكم بالتوالد، فإذا مات الأب.. قام ابنه مقامه، لتبقى سلسلة الحياة متصلةً بهذا النوع، وبسائر الأنواع الأخرى، بالازدواج والتوالد، إلى الأجل الذي قدره الله لأمد هذه الحياة.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه، لما ذكر (٢) دلائل

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon