وجوده، بما ذكره في خلق الإنسان.. أعقبه بذكر الدلائل في الأكوان المشاهدة، والعوالم المختلفة، وفي اختلاف ألوان البشر ولغاتهم، التي لا حصر لها، مع كونهم من أبٍ واحد، وأصل واحد، وفيما يشاهد من سباتهم العميق ليلًا، وحركتهم نهارًا في السعي على الأرزاق، والجد والكد فيها.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ...﴾ الآيات، سبب نزول هذه الآيات، إلى قوله: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ على ما ذكره المفسرون (١): أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم؛ لأن فارسًا كانوا مجوسًا أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس، لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشًا إلى الروم، واستعمل عليهم رجلًا يقال له: شهرمان، وبعث قيصر رجابًا وجيشًا، وأمّر عليهم رجلًا يدعى بخين، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة فشق عليهم، وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، فإنكم إن قاتلتمونا.. لنظهرن عليكم، فأنزل الله هذه الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى كفار مكة، فقال: فرحتم بظهور إخوانكم، فلا تفرحوا، فوالله ليظهرن الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا محمد - ﷺ - فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحيّ، فقال: كذبت، فقال: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: اجعل بيننا أجلًا أناحبك عليه، والمناحبة بالحاء المهملة: القمار والمراهنة؛ أي: أراهنك على عشر قلائص مني، وعشر قلائص منك، فإذا ظهرت فارس على الروم.. غَرمتَ، وإذا ظهرت الروم على فارس.. غَرمتُ، ففعلوا، وجعلوا الأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر إلى النبي - ﷺ - وأخبره بذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي - ﷺ -: "ما هكذا