٥ - ثم أكد قوله: لله الأمر بقوله: ﴿يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾ أن ينصره من ضعيف وقوي من عباده، وهذا كلام مستأنف، مقرر لمضمون قوله تعالى: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الْعَزِيزُ﴾؛ أي: المبالغ في العزة والغلبة، فلا يعجزه من يشاء أن ينصر عليه، كائنًا من كان. ﴿الرَّحِيمُ﴾؛ أي: المبالغ في الرحمة، فينصر من يشاء أن ينصره أي فريق كان، أو لا يعز من عادى، ولا يذل من والى، وتقديم وصف العزة لتقدمه في الاعتبار.
والمعنى: أي (١) ينصر من يشاء أن ينصره على عدوه، ويغلبه عليه على مقتضى المن التي وضعها في الخليقة، وهو المنتقم ممن يستحقون الانتقام بالنصر عليهم، الرحيم بعباده فلا يعاجلهم بالانتقام على ذنوبهم، كما قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾.
٦ - وقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾: مصدر (٢) مؤكد لنفسه؛ أي: وعدهم الله سبحانه بالنصر وبالفرح وعدًا؛ لأن ما قبله، وهو ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ إلخ: في معنى الوعد، إذ الوعد هو: الإخبار بإيقاع شيء نافع قبل وقوعه، وقوله: ﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ إلخ من هذا القبيل، ومثل هذا المصدر، يجب حذف عامله كما قدرنا، يعني انظروا وعد الله، ثم استأنف تقرير معنى المصدر، فقال: ﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ لا هذا الذي في أمر الروم، ولا غيره مما يتعلق بالدنيا والآخرة، لاستحالة الكذب عليه سبحانه. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ﴾ وهم المشركون، وأهل الاضطراب ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ صحة وعده لجهلهم، وعدم تفكرهم في شؤون الله تعالى، نفى عنهم العلم النافع للآخرة، وقد أثبت لهم العلم بأحوال الدنيا فيما سيأتي، والضمير في ﴿يَعْلَمُونَ﴾: راجع للأكثر.
والمعنى: أي وعد الله وعدًا بظهور الروم على فارس، والله لا يخلف ما وعد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك، لجهلم بشؤونه تعالى، وعدم تفكرهم
(٢) روح البيان.