في النواميس والسنن، التي وضعها في الكون، فإنه قد جعل من تلك السنن: أن وعده لا يخلف، إذ هو مبني على مقدمات ووسائل هو يعلمها، وقد رتب عليها تلك العدة التي وعدها، وجعل قانون الغلب في الأمم والأفراد، مبنيًا على الاستعداد النفسي، والاستعداد الحربي، فلا تغلب أمة أخرى إلا بما أعدت لها من وسائل الظفر بها، وما كان لها من صفات تكفل لها هذا الظفر، من أناةٍ وصبرٍ وتضحيةٍ بما تملك من عزيز لديها من مال ونفس.
وهكذا حكم الفرد، فهو لا ينجح في الحياة إلا إذا كان معه أسلحة يغالب بها عوامل الأيام، حتى يغلبها بجده وكده، فهذه الأمور وأمثالها، تحتاج إلى دقة نظر، لا يدركها إلا ذوو البصائر.
٧ - ﴿يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: يعلم أكثرهم ﴿ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؛ أي: ما أدته إليه حواسهم من زخارفها وملاذها، وسائر أحوالها الموافقة لشهواتهم، الملائمة لأهوائهم المستدعية لانهماكهم فيها، وعكوفهم عليها، فكأن علومهم هي علوم البهائم، ولا يعلمون باطنها، وهي مضارها ومتاعبها وفناؤها، وتنكير ﴿ظَاهِرًا﴾ للتحقير والتخسيس؛ أي: يعلمون ظاهرًا حقيرًا خسيسًا من الدنيا، يعني: أمر معاشهم، كيف يكسبون ويتجرون، ومتى يغرسون ويزرعون ويحصدون، وكيف يشققون أنهارها، ويبنون قصورها، وقال الحسن: إن أحدهم يأخذ بيده درهمًا. ويقول: وزنه كذا، ولا يخطىء، وكذا يعرف رداءته وجودته، وهو لا يحسن يصلي.
وقيل: يعلمون وجودها الظاهر، ولا يعلمون فناءها، وقوله: ﴿ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يفيد أن للدنيا ظاهرًا وباطنًا، فظاهرها: ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها، والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيقتها: أنها مجاز للآخرة تتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة، ذكر أبو حيان.
ولا فرق (١) بين عدم العلم، وبين العلم المقصور على الدنيا، وفي