"التيسير": قوله: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ نفي للعلم بأمور الدين، وقوله: ﴿يَعْلَمُونَ﴾: إثبات للعلم بأمور الدنيا فلا تناقض؛ لأن الأول: نفي الانتفاع بالعلم بما ينبغي، والثاني: صرف العلم إلى ما لا ينبغي، ومن العلم القاصر: أن يهيىء الإنسان أمور شتائه في صيفه، وأمور صيفه في شتائه، وهو لا يتيقن بوصوله إلى ذلك الوقت، ويقصر في الدنيا في إصلاح أمور معاده، ولا بد له منها.
﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ﴾ التي هي الغاية القصوى، والمطلب الأسنى، والنعمة الدائمة، واللذة الخالصة، ﴿هُمْ غَافِلُونَ﴾؛ أي: ساهون، لا يلتفتون إليها، ولا يعدون لها ما يحتاج إليه فيها بل لا يخطرونها بالبال ولا يدركون من الدنيا ما يؤدي إلى معرفتها من أحوالها، ولا يتفكرون فيها، أو غافلون عن الإيمان بها، والتصديق بمجيئها.
و ﴿وَهُمْ﴾ لثانية: تكرير للأولى للتأكيد، يفيد أنهم معدن الغفلة عن الآخرة، أو مبتدأ و ﴿غَافِلُونَ﴾ خبر، والجملة: خبر للأولى، وفي الآية تشبيه لأهل الغفلة بالبهائم، المقصور إدراكاتها من الدنيا على الظواهر الحسية، دون أحوالها التي هي من مبادي العلم بأمور الآخرة، وغفلة المؤمنين: بترك الاستعداد لها، وغفلة الكافرين بالجحود بها، وقال بعضهم: من كان عن الآخرة غافلًا.. كان عن الله أغفل، ومن كان عن الله غافلًا.. فقد سقط عن درجات المتعبدين. انتهى.
والمعنى (١): أي وهم غافلون عن أن النفوس لها بقاء بعد الموت، وأنها ستلبس ثوبًا آخر في حياة أخرى، وستنال إذ ذاك جزاء ما قدمت من خير أو شر، ولو لم تكن النفوس تتوقع هذه الحياة.. لكانت آلام الدنيا ومتاعبها لا تطاق، ولا تجد النفوس لاحتمالها سبيلًا، وهي ما قبلت تلك الآلام واحتملتها، إلا لأنها توقن بسعادة أخرى، وراء ما تقاسي من المتاعب في هذه الحياة، ولله در القائل:
وَمِنَ الْبَلِيةِ أَنْ تَرَى لَكَ صَاحِبًا | فِيْ صُوْرَةِ الرَّجُلِ السَّمِيْع الْمُبْصِرِ |