للاستحقاق؛ لأنه يلزم من استحقاق الجنس استحقاق الأفراد من باب الأولى، والمعنى حينئذ: جنس الحمد بجميع أفراده وأنواعه مستحق لله تعالى.
فإن قلت: لِمَ اختيرت كلمة الحمد دون الشكر حيث لم يقل الشكر لله؟
قلت: اختيرت كلمة الحمد على الشكر؛ لأن الحمد يعم الفضائل والفواضل دون الشكر، فإنه يختص بالفواضل.
وإن قلتَ: لِمَ اختيرت كلمة الجلالة دون الرحمن وغيره من الأسماء، حيث لم يقل الحمد للرحمن مثلًا؟
قلتُ: اختيرت الجلالة دون سائر الأسماء والصفات لدلالتها على صفتي الجلال والجمال، وعلى استحقاقه الحمد لذاته؛ لئلا يتوهم اختصاصه بصفة دون أخرى؛ لأن تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق. وقد بسطت الكلام على الحمدلة، وعلى الصور الجارية فيها إلى أن وصلت بمئة وثمانين صورة في بعض مؤلفاتي "سلم المعراج على خطبة المنهاج"، و"فتح الملك العلام على عقيدة العوام"، فراجعه إن أردت الخوض فيها.
أي: جميع (١) أفراد المدح والثناء والشكر من كل حامد وشاكر ملك لله تعالى، ومخصوص به، لا شركة لأحد فيه؛ لأنه الخالق والمالك، كما قال: ﴿الَّذِي لَهُ﴾ خاصة خلقًا وملكًا وتصرفًا بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي (٢): جميع الموجودات، فإليه يرجع الحمد لا إلى غيره، وكل مخلوق أجرى عليه اسم المالك، فهو مملوك له تعالى في الحقيقة؛ لأن الزنجي لا يتغير عن لونه؛ لأن سمي كافورًا، والمراد: على نعمه الدنيوية، فإنَّ السموات والأرض وما فيهما خلقت لانتفاعنا، فكلها نعمة لنا دينًا ودنيا، فاكتفي بذكر كون المحمود عليه في الدنيا عن ذكر كون الحمد أيضًا فيها. وقد صرح في موضع آخر، كما قال: ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ﴾، وهذا القول؛ أي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ...﴾ إلخ، وان كان حمدًا لذاته بذاته، لكنه تعليم للعباد كيف يحمدونه، فكأنه قال: قولوا يا عبادي: الحمد لله... إلخ، إذا أردتم ثنائي وشكري.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon