والمعنى (١): أي الحمد الكامل للمعبود المالك لجميع ما في السموات وما في الأرض، دون كل ما يعبدونه، ودون كل شيء سواه؛ إذ لا مالك لشيء من ذلك غيره.
والخلاصة: أن له عَزَّ وَجَلَّ جميع ما في السمموات وما في الأرض خلقًا وملكًا، وتصرفًا بالإيجاد والإعدام، والإحياء والإماتة.
وعبارة "الشوكاني" هنا: ومعنى (٢): ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾: أي جميع ما هو فيها في ملكه، وتحت تصرفه، يفعل به ما يشاء، ويحكم فيه بما يريد، وكل نعمة واصلة إلى العبد، فهي مما خلقه له، ومنَّ به عليه، فحمده على ما في السموات والأرض هو حمد له على النعم التي أنعم بها على خلقه مما خلقه لهم.
ولما بيَّن أن الحمد الدنيوي من عباده الحامدين له مختص به.. بيَّن أن الحمد الأخروي مختص له كذلك، فقال: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾، فهو بيان لاختصاص الحمد الأخروي به تعالى إثر بيان اختصاص الدنيوي به على أن الجار؛ إما متعلق بنفس الحمد، أو بما يتعلق به الخبر من الاستقرار، وإطلاقه عن ذكر ما يشعر المحمود عليه ليعم النعم الأخروية، كما في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾، وما يكون ذريعة إلى نيلها من النعم الدنيوية، كما في قوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾؛ أي: لما جزاؤه هذا من الإيمان والعمل الصالح.
والمعنى: أن له سبحانه على الاختصاص حمد عباده الذين يحمدونه في الدار الآخرة إذا دخلوا الجنة. وقد قيل (٣): يحمده أهل الجنة في ستة مواضع:
أحدها: حين نودي ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)﴾ فإذا ميِّز المؤمنون من الكافرين يقول المؤمنون: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، كما قاله نوح عليه السلام حين أنجاه الله من قومه.
والثاني: حين جاوزوا الصراط قالوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾.

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon